الهلال نيوز/ على غرار الشركات الأمنيّة الأشهر مثل؛ بلاك ووتر وفاغنر، برز اسم "سادات" (SADAT) خلال السنوات الاخيرة، باعتبارها أول شركة تركيّة خاصة تقوم بمهمات واسعة خارج البلاد. وزادت علامات الاستفهام حول الشركة وأنشطتها بسبب قربها من الرئيس التركي أردوغان وارتباطها بشكل مباشر بسياسات تركيا وتدخّلاتها الخارجية، حتى بدت بمثابة أداة التنفيذ غير المعلن عنها.
تعاون عسكري إسلامي
تأسست سادات عام 2012م، على يد العميد التركي المتقاعد "عدنان تانري فردي"، وبحسب ما تعرّف به الشركة نفسها على موقعها فإنّ هدفها الأساسي هو "تأسيس تعاون بين الدول الإسلامية في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية"، و"مساعدة العالم الإسلامي في أخذ المرتبة التي يستحقها بين القوى العالمية العظمى كقوة عسكرية مكتفية ذاتياً".
ومن أجل فهم هذا الخطاب الذي تتبناه الشركة، والمرتبط برؤيا ومرجعية إسلامية، لا بد من العودة للخلفية والمعتقدات التي تبناها المؤسسون؛ إذ إنّ المؤسسين كانوا ضباطاً قد تم تسريحهم من الخدمة العسكرية عام 1997 بسبب ميول إسلاميّة متشددة لديهم، وذلك بعد الانقلاب الذي قام به الجيش ذلك العام على حكومة نجم الدين أربكان ذات التوجهات الإسلامية (فيما عُرف بـ "انقلاب ما بعد الحداثة").
في سوريا كانت شركة سادات تشرف على عمليات التعاون مع جبهة النصرة حتى لا تتعرَّض تركيا لأيّ ملاحقات قانونية
ومن بين هؤلاء الضباط كان الجنرال عدنان تانري فردي، الذي قام لاحقاً بتأسيس الشركة عام 2012. وبالعودة إلى مقالات تانري فردي خلال حقبة التسعينيات يتبيّن مدى تأثّره مثلاً بالصراع الصربي البوني - الصربي، واعتباره بمثابة اعتداء واستضعاف للمسلمين في العالم، وكيف شكّل ذلك كثيراً من القناعات لديه بخصوص ضرورة تعزيز القدرات العسكرية لدى الدول الإسلامية. وتبلورت هذه القناعات لاحقاً إلى اعتقاده بالحاجة إلى تحالف عسكري إسلامي (ناتو إسلامي) ضد "أعداء الإسلام"، وبالفعل فقد قام فردي في كانون الأول (ديسمبر) 2017م بتقديم اقتراح إلى منظمة التعاون الإسلامي لتشكيل ما أسماه "جيش الإسلام".
في سوريا.. بداية الظهور والنشاط الخارجي
بعد تأسيسها في العام 2012، برزت أولى أدوار سادات الخارجية في سوريا. وقد جاء في تقرير صادر عن موقع "أفريكا انتلجنس" الفرنسي في العام 2020 أنّ "شركة سادات قامت بتدريب المقاتلين المتمردين السوريين، وأنّ المجموعات السورية التي دربّتها هذه الشركة قد تعزز فيها الولاء لتركيا وأردوغان على حساب سوريا".
وفي نهاية أيار (مايو) 2021، اعترف باكار، زعيم إحدى عصابات المافيا التركيّة، والذي كانت له علاقات واسعة بأجهزة الدولة في تركيا، اعترف، عبر قناته في "اليوتيوب"، بدوره في نقل الأسلحة والمُعِدّات العسكرية إلى الفصائل المسلَّحة في سوريا، وقال: "كنت أعتقد أنني أرسل الأسلحة إلى التركمان، لكنْ تبيَّن لي، في ما بعدُ، أنّ هذه المساعدات وغيرها، والتي نقلتها شركة سادات، كانت تذهب إلى تنظيم "جبهة النصرة""، وبيّن باكار أنّ "سادات" كانت تشرف على العمليات حتى لا تتعرَّض تركيا لأيّ ملاحقات قانونية دولية.
وبعد عملية "درع الفرات" العسكريّة التركيّة في شمال سوريا عام 2016، وما تبع ذلك من قيام تركيا بتأسيس ما عُرف بـ "الجيش الوطني السوري"، والذي تألّف من فصائل المعارضة السوريّة المسلحة في الشمال السوري، تولّت "سادات" الإشراف على عمليات تدريب وإعداد هذا "الجيش"، وقد جاء على لسان عدنان تانري فردي، رئيس الشركة، خلال مشاركته في مقابلة إذاعية في مطلع العام 2017 أنّ "شركة سادات، تولت تدريب وتأهيل عناصر "الجيش السوري الحر" في معسكرات داخل تركيا".
في ليبيا.. خدمات شاملة
في أواخر العام 2019م، وبالتزامن مع توقيع تركيا اتفاقية تعاون عسكري مع حكومة الوفاق الليبية، وقعّت شركة سادات عقداً مع شركة "سكيورتي سايد" الليبيّة المختصّة في تقديم خدمات الأمن، وهي الشركة التي يرأسها فوزي بوكتف، المقرّب من شبكات الإخوان المسلمين في حكومة الوفاق الوطني، وذلك بغرض تقديم خدمات تدريب الميليشيات المرتبطة بحكومة الوفاق الوطني، بالإضافة إلى جلب المقاتلين من سوريا إلى ليبيا وتسليحهم بعد تدريبهم عسكريا، فضلاً عن قيامها بدور الوسيط لإتمام صفقات السلاح بين الشركات التركيّة وحكومة الوفاق. وكانت الاتفاقية بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق قد نصّت في أحد بنودها على أن: "يتضمن شكل التعاون بين الطرفين إرسال أي منهما للآخر أطقم أو أفراد مدنيين يتبعون مؤسسات أمنية".
وفي حزيران (يونيو) 2020 نشر موقع "أفريكا إنتليجنس" المتخصص بالنشرات الاستخباريّة، تقريراً عن نشاط شركة سادات في ليبيا، أشار إلى دورها في نقل وتدريب المقاتلين السوريين منذ أواخر العام 2019؛ إذ قامت الشركة بالتعاون مع "الحكومة السوريّة المؤقتة" بافتتاح مكتب سري في مناطق محتلة من الشمال السوري من أجل تسجيل الراغبين بالقتال في ليبيا. وقد أرسلت الشركة عشرات المدربين العسكريين لتدريب الميليشيات المرتبطة بحكومة الوفاق الوطني، وتشير التقديرات إلى وجود قرابة تسعين من عناصر الشركة في ليبيا، بما في ذلك مهندسو اتصالات، ومبرمجون، وموظفون.
مؤسسو شركة سادات كانوا ضباطاً تم تسريحهم من الخدمة العسكرية عام 1997 بسبب ميول إسلاميّة متشددة
وتشير تقارير أخرى إلى وجود نشاط للشركة في ليبيا من ما قبل ذلك، من ذلك ما كشف عنه تقرير لمركز إستكهولم للحريات من أنّ "سادات" لعبت دور الوسيط في ضم المقاتلين لفروع تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014، كما يشير تقرير من إعداد "إندبندنت عربيّة" إلى وجود علاقات سابقة للشركة مع ميليشيات غرب مصراته وبالتحديد مع أحد قادتها وهو العميد الفيتوري غريبيل.
في أفريقيا.. حضور متزايد
تعمل تركيا على استغلال مناخ الاضطرابات وعدم الاستقرار في أفريقيا من أجل التمدد عسكرياً وأمنياً في القارّة، وجاءت نشاطات "سادات" لترافق هذا التمدد وبحيث تكون بمثابة إحدى أدواته، بدءاً من الصومال، حيث تتولى "سادات" إدارة معسكر التدريب العسكري التركي في الصومال لتدريب القوات الحكوميّة الصوماليّة، منذ افتتاحه في العام 2017م.
وخلال السنوات الأخيرة، استمرّ حضور الشركة أفريقيّاً بالتوسع وذلك بالتزامن مع توقيع تركيا سلسلة من اتفاقيات التعاون العسكري مع دول أفريقية عدّة، من غينيا في العام 2014، إلى إثيوبيا (عام 2015)، إلى نيجيريا (عام 2018) وتشاد (2019)، وفي العام الماضي (2020) مع كل من النيجر وساحل العاج، وبخاصّة في النيجر (جنوب ليبيا) إذ جرى الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية تركيّة، إذ تتولى سادات مهمة الإشراف والإدارة للقاعدة.
وتنصّ هذه الاتفاقيات على إشراك المؤسسات الأمنية الخاصة في أداء بعض المهام الأمنيّة والعسكريّة، وإلى جانب نقل وتدريب المقاتلين، يشمل دور "سادات" توفير المعلومات الاستخبارية لتركيا، فضلاً عن تسويق الصناعة العسكرية التركية، والعمل على تزويد الدول الأفريقية بالأسلحة التركيّة.
"جيش خاص" موالٍ لأردوغان والعدالة والتنميّة
بعد محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، قام أردوغان بتعيين عدنان تاني فيردي، رئيس شركة سادات، في منصب مستشار عسكري له، ما أضاء في حينه على العلاقة الوثيقة بين فيردي وأردوغان، وبدأ الاعتقاد يتعزز بكون سادات تمثّل "ميليشيا خاصة" لأردوغان.
بعد محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، قام أردوغان بتعيين عدنان تاني فيردي، رئيس شركة سادات، في منصب مستشار عسكري له
فيما يذكر الكاتب التركي بوراك بكديل في مقال له على موقع معهد "غيت ستون" الأمريكي للدراسات، أنّ حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض قد أثار موضوع نشاط شركة سادات في البرلمان أكثر من مرة، بما في ذلك الإشارة إلى المنشآت العسكرية السريّة للتدريب داخل تركيا، وأنّ بعض الشباب الملتحقين بهذه المخيمات ينتمون إلى الأذرع الشبابية لحزب العدالة والتنمية، ما فتح الباب للشكوك من قبل المعارضة التركيّة بأنّ ذلك قد يكون سبباً لتهديد السلم، مع الشكّ بأنّ هذه المجموعات قد تتطور لتصبح بمثابة فرقة مسلحة متخصصة في عمليات اغتيال وتخريب محتملة تستهدف المعارضة في تركيا، بحيث تصبح بمثابة جيش وفرق خاصة مرتبطة بالرئيس أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية.
وبذلك يظهر بأنّ هذه الشركة لم تكن يوماً بمثابة شركة أمنيّة ذات مهام محدودة، وإنما كانت مرتبطة منذ تأسيسها بتنفيذ المهام العسكريّة والأمنيّة للسياسة التركيّة، ولم يقتصر دورها والجدل بخصوصها على الخارج، بل إنها تسببت في ارتياب وردود فعل داخليّة من قبل القوى السياسية داخل تركيا كذلك.