لعله الزمان الجميل بريف العين غزلوه.. كان الغناء للوطن.. للحب والحرب، ومضارب الأردنيين.. ضحى وعسكر.. كانت فيه «سميرة توفيق» بمثابة توجيه معنوي في اوقات سيادية صعبة وحرجة عاشها الأردن في حقب سابقة.. هي «سميرة» او «عاشقة «الأردن».. وترى الفنانة القديرة الكبيرة ـ وهذه وجهة نظرها ـ أن «الأردن» أعطاها كل هذه الشهرة والمجد الغنائي، وفتح لها كل أبواب النجاح وأصبح دينا عليها أن ترد له ولو واحدا فى المئة من هذا الجميل والدين الكبير.
السمراء الجميلة سميرة توفيق التي حظيت بألقاب كثيرة منها: مطربة الجيش والعسكر والقوات المسلحة.. مطربة البادية سمراؤها الجميلة، فكانت المغنية الأشهر بين الطبقة الشعبية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في نمطها الغنائي المحبب وملامحها البدوية.
البداية والنشأة
ولدت في العام 1935 منحدرة من عائلة فقيرة من سهل حوران في جنوب سوريا، ثم نزحت إلى لبنان، وهناك تبنّتها عائلة كريمونة» بعد أن بلغت سن العاشرة، فأصبح اسمها «سميرة كريمونة» لتعيش في منزل تلك العائلة في حي الجميزة في وسط بيروت.
ولأن لبنان في تلك الحقبة، كان يحتضن عمالقة الطرب مثل: فيروز وصباح ونصري شمس الدين وغيرهم، كانت وجهة «سميرة» صوب سوريا، ومن إذاعة دمشق تنطلق سميرة، وتبدأ مع ألحان وديع الصافي وأغانيه الدارجة انذاك «حسنك يا زين» و»أسمر خفيف الروح» و»يا ديراوية» وتدخل بأدوار خفيفة في المسلسلات والأفلام، لتنهال عليها بعد ذلك، عروض الغناء من كل حدب وصوب.
الطفلة الصغيرة المعطرة بالبراءة سميرة توفيق، كانت تتسلق أشجار الجميز في حي الرملة في بيروت، وهي تدندن بأغانٍ للموسيقار محمد عبد الوهاب وأم كلثوم.. لتبدأ بعد ذلك تلك الطفلة الغناء في الأفراح الشعبية، وكان مسرح عجرم أول ظهور لها فوق خشبات المسارح، لتؤدي بعض أغاني سعاد محمد وليلى مراد، وتحصل على أول أجر لها وقدره مئة ليرة لبنانية.
هوية بدوية
اتخذت سميرة توفيق من الطابع البدوي هوية لغنائها، كخصوصية تميزها في زحمة نجوم تلك الأيام، فلحن لها عفيف رضوان وعبد الجليل وهبي ومحمد محسن ورفيق حبيقة وألياس الرحباني وملحم بركات وإيلي شويري ووسام الأمير والعبقري فيلمون وهبي الذي ربطتها وإياه صداقة متينة، كان لها نِعم الصديق والسّند.
وعن لقبها «توفيق» فيقال إنه جاء ممن أخذ بيدها أولا إلى عالم الغناء، صديقها الوفي توفيق البيلوني، الذي شجعها وأمسك بيدها لتخطو الخطوات الأولى، فنسبت نفسها إليه عرفانا بجميله معها، وفي تلك الحقبة ذاع صيتها وتوسعت شهرتها في العالم، وأحيت ما لا يحصى من الحفلات في عواصم العالم، من لندن إلى باريس إلى موناكو ونيس وموسكو وملبورن وسيدني وكاراكاس، بل وافتتحت أوبرا هاوس في ملبورن الأسترالية إلى جانب وديع الصافي، وغنت أمام ملكة إنجلترا الراحلة إليزابيث الثانية، في أوائل السبعينيات، كما غنت في افتتاح النادي اللبناني المكسيكي، للدرجة التي جعلت مدير التلفزيون اللبناني عز الدين الصبح، يجعلها نجمة التلفزيون الأولى في لبنان بتلك الأيام.
هنا عمان
كان افتتاح إذاعة المملكة الاردنية الهاشمية العام 1959 هو الآخر إنعطافة هامّة في المسيرة الفنية للمطربة اللبنانية التي إشتهرت بتقديمها للأغنية الأردنية، حتى تعامل الجمهور معها في الدول العربية، على أنها مطربة أردنية، كما يقول الزميل هشام عودة، وكانت «غمزة» واحدة من عينها تكفي لجعل الرجال في ذلك الزمن يقومون «بتبريم شواربهم»، وظل الكثير من الرجال المعجبين ينتظرونها على الشاشة، للتمعن بجمالها الفتان، والغمازات التي ترتسم فوق وجنتيها عندما تبتسم، في حين ذهبت نساء كثيرات إلى رسم شامة تشبه شامة سميرة توفيق على خدودهن، من باب التشبه بجمال وجهها الذي امتلك إطلالة سحرية بدوية على الجمهور العريض.
أكثر من ألف أغنية، هي حصيلة ما قدمته الفنانة في مسيرتها التي زادت عن نصف قرن، وقد كانت تلك الأغنيات عنوان الأفراح والمناسبات الوطنية في الأردن.. بل وكانت نشيدا قوميا على ألسنة وحناجر كل الأردنيين، ومن أشهرها: «فدوى لعيونك يا اردن» التي تعرضت لـ»القرصنة» من قبل مطربين مغمورين، و»أردن الكوفية الحمرا» و»ديرتنا الأردنية» و»يا هلا بالضيف ضيف الله» و»بالله تصبوا هالقهوة» و»مندل يا كريم الغربي»، و»يا خيال الزرقا» و»يا مدقدق يا ابن عمي» و»بيت الشعر» و»برجاس يا قاضي الهوى» و»أسمر خفيف الروح» و»بدك تيجي حارتنا» و»يا خالي قرب العيد»، وغيرها الكثير الكثير من الأغنيات التي ستبقى تضىء بالكلمة والوتر والمعنى سفر العاشقين.
الحب والحرب
وأبدا لا ننسى فروسية الحب والحرب في أشعار المغفور له باذن الله المشير الركن حابس المجالي، عندما طرز الزعامة لأهل الوطن نارا ورصاصا وأشعارا، في الأهزوجة الأردنية العسكرية «حنا كبار البلد» وانتشت بأدائها بصوتها العذب سميرة في أستديوهات التلفزيون الأردني بذكرى عيد الاستقلال في السبعينيات من القرن الماضي، كذلك موالها الشهير سيروا بيمن الله، الذي تعرفه كتائب الجنود والزنود في كبرى مؤسسات الوطن «القوات المسلحة الأردنية»، وقد اطلقت صوتها ليعانق أهداب الولاء والانتماء في حفل أقيم العام 1974 بذكرى عيد الاستقلال وجاء فيه: كل عام وإنت بخير يا جيشنا بالعيد منصور..يا سور حامي..على العدا بتثور..يا دروعنا.. يا المدفعية.. يا مُشاتنا.. يا «خاصة».. يا «نسور».. سيروا بيمن الله..اقسم بالله.. جيشنا منصور.. وبالطبع لن ننسى الغناء الجميل لـ»الطواقي الحُمر» أبطال القوات الخاصة الأردنية «الصاعقة».
ولن ننسى يوم 3 شباط 2003 عندما رعى سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله في المركز الثقافي الملكي، وبحضور كبار الشخصيات، الحفل الذي أقامته وزارة الثقافة بمناسبة عيد ميلاد الملك عبدالله الثاني الحادي والأربعين والذي تضمن مهرجانا غنائيا كبيرا شاركت فيه الفنانة الكبيرة سميرة توفيق، وقد قدمت حينها وصلة غنائية بهذه المناسبة السعيدة، إذْ أدت عددا من أغنياتها الشعبية المعروفة، بدأتها بموال تقول كلماته: «حتى القمر شرف بعيدك يا ملك/ ينظم شعر ويقول ويغني طرب/ كل النجوم تجمعوا وقفوا إلك/ والشعب يدعي تدوم يا عز العرب».