عمّان.. دوما وابدا.. قصة عشق يتناغم فيها، باستثنائية جميلة، الزمان والمكان والسكّان.. المدينة التي تتمتع بروح متيقّظة، تحرس أبناءها وتحميهم من غدر الشرور.. هذه الصبية الفاتنة، نمت وتطوّرت لتكون على الدوام، في كل زاوية وزقاق، مصدر جذب والهام للفن والإبداع.
عمّان وكما ورد في كتاب «عمان حكاية الناس والتلال.. عمان .. مسيرة انجاز ترسخ المدينة العصرية» الصادر عن أمانة عمان الكبرى، بأن عمان كما ذات الجاذبية الخارقة، يتنقل فيها الزمان بكل يسر واطمئنان بين العريق والحديث، في سيمفونية من الجمال تعزف الطبيعة العمّانية كما تحب الطبيعة أن تكون.. ولعمّان حكايتها مع مواطنيها، تتعدد فصولها بتعدد ألوانهم، وتمتاز ببصماتهم العريقة التي تشد انتباه الفنانين وتربكهم أحيانا، وتغريهم، في الآن نفسه، بالوصول إلى السمو الإبداعي الذي طالما تاقوا إليه..
عمّان الكبرى
شهد عقد الثمانينيات نمواً لا مثيل له، خاصة ضمن مراكز عمّان الحضرية النامية التي شهدت استمرار إنشاء المعالم الحديثة ومنها المركز الثقافي الملكي، الذي بُني ليستضيف مؤتمر القمة العربية، والساحة الهاشمية، ومسجد الشهيد المؤسّس الملك عبدالله الأول ابن الحسين، ومطار الملكة علياء الدولي الذي حلّ محل مطار ماركا التابع لمدينة عمّان القديم مع دخول عمّان في عقد الثمانينيات، ترسّخ الإدراك بضرورة التعامل مع عمّان على أنها مدينة كبيرة، وكانت للملك الحسين رؤيته لإنشاء ما يُعرف «بعمّان الكبرى»، وخلال تلك الفترة تم التركيز على إنارة الشوارع ونظافتها وتشجيرها وتوحيد ألوان واجهات المباني الإسمنتية باللون الأبيض، واكتسبت عمّان سمعتها المشهورة كمدينة نظيفة.
وفي عام 1983 ، وضعت عمّان نفسها بهدوء على طريق التحوّل إلى عاصِمة حديثة من خلال جهودها في وضع الأساسات الأولى لما عُرف باسم أمانة عمان الكبرى.
ومع بداية اتخاذ الحكم المحلي للمدينة شكله الخاص، استطاعت عمّان تعميق دورها باعتبارها المركز السياسي للمملكة مع إجراء الانتخابات البرلمانية الوطنية عام 1989 وانعقاد أول جلسة للبرلمان المنتخب بحريّة تحت قبة مجلس الأمة المشهورة في العبدلي. مع اقتراب نهاية عقد الثمانينيات، طغت على المشهد رياح النزاعات الإقليمية مرّة أُخرى والتي جاءت هذه المرة من حرب الخليج في عام 1990، والتي أدت بأكثر من 300 ألف فلسطيني وأردني بالخروج من الكويت والعودة إلى الأردن، إضافة إلى آلاف العراقيين الذين هربوا من الفوضى المفاجئة التي نتجت عن ذلك الصراع، كانت عمّان العاصمة بالنسبة إلى البعض جنّة آمنة مؤقتة، ولكنها بالنسبة إلى البعض الآخر كانت مكاناً جديداً أسموه الوطن، وفي كلتا الحالتين، فإن حرب الخليج الأولى كان لها الأثر البالغ على عمّان، حيث ساهم المغتربون واللاجئون من المهنيين والمثقفين وأساتذة الجامعات والفنانين العراقين وغيرهم في خلق انبعاث ثقافي جديد لمدينة عمّان - مما أكد مرة أخرى على شخصية مدينة عمّان باعتبارها مدينة متعددة الألوان وحاضنة للثقافات المتنوعة.
إن الزيادة في عدد السكّان والحاجة إلى المساكن بدأ يغيّر من شكل المدينة العام. فقد بدأت تظهر المزيد من العمارات السكنية الكبيرة على النقيض من منزل العائلة المفردة أو العائلة الممتدة التي سادت في العقود الماضية، وبرزت مناطق جديدة من العدم مكتظة بالسكّان وتكاد تخلو من المساحات الخضراء والمناطق العامة، ومن الأمثلة البارزة لتأثير تداعيات حرب الخليج على عمّان نمو شارع وصفي التل والمعروف باسم شارع الجاردنز في تلاع العلي فقبل التسعينيات، كان هذا الشارع الطويل الذي يربط منطقة المدينة الرياضية بمناطق بعيدة مثل خلدا وأم السماق ومناطق أبعد مثل شارع المدينة الطبية، قد بدأ يتخذ طابعه كشارع تجاري في الثمانينيات. ولكن خلال سنوات قليلة عقب عام 1990، اكتظ هذا الشارع بالمباني المشيّدة حديثاً، حيث افتتح العديد من العائدين من الخليج مصالح تجارية لهم هناك، وأصبح هذا الشارع معروفاً بمطاعمه التي تقدم الوجبات السريعة ومحال الأجهزة الإلكترونية والكومبيوتر. وبهذا ظهرت إلى الوجود منطقة تجارية كبرى بين ليلة وضحاها.
أما حركة التطور المبكر التي شهدها القطاع الطبي، فقد مهّدت الطريق لدور عمّان لتكون وجهة طبية واعدة للمنطقة العربية برمتها، فعمّان، المدينة التي لعبت أهم الأدوار الإنسانية في تاريخ المنطقة، فتحت ذراعيها للسياحة الطبية لكل من يحتاج إلى الرعاية. فبينما ظلّت مدينة الحسين الطبية إلى هذا اليوم مؤسّسة طبية بمستوى عالمي، كذلك شهدت عمّان خلال العقود المتتالية إنشاء العديد من المبادرات العامة والخاصة في القطاع الصحي، ومن ضمنها المستشفيات الضخمة والعيادات الطبية والصيدليات والمختبرات الطبية وحتى المرافق البحثية.