نعيش هذه الايام الذكرى السنوية الاولى لوفاة اللواء عبد اللطيف العواملة ، ففي 25/8/2021 غادرنا الى سعة رحمة ربه و نعيم مغفرتة . صدمة عشناها و لا زلنا. نشعر بالفقدان كل يوم، صحيح أن الموت حق و حقيقة الا أن الكبار لا يعوضون. عزاؤنا في ذكراه العطرة، و التي عمت الاردن من شماله الى جنوبه، و من شرقه الى غربه. مواقفه تملأ احاديث المجالس و اللقاءات، و كلماته تتردد في الحناجر و الاذهان و القلوب.
قيل قديما ان "كل مصيبة تولد صغيرة و تكبر، الا الموت فهو يولد كبيرا و يصغر"، و لكن لكل قاعدة استثناء. فمرور الايام وحده لا يخفف من حدة الفقدان بل قد يزيدها، فالاحداث و المواقف تعيد مقاربات و سلوكيات تشعل الذاكرة و تجدد الالام. كان له، رحمه الله، اسلوب خاص في سرد الوقائع و الاحداث وربطها بطريقة فريدة لايصال حكمة ما او شحذ التفكير الناقد. و كثير من هذه السرديات تقبع في الذهن و تتحرك مع احداث كل يوم و تعيد الفقيد الى الواجهة، فمن مثلك يا أبا رائد لا غياب لهم بل مغيب ، فالشمس حينما تغادر كبد السماء فهي تغادر لساعات فقط ثم تعود، و كذلك الرجال الذين بلغوا سنام المجد تبقى مواقفهم و سيرتهم وذكراهم على مر الزمان كدورة مغيب الشمس و بزوغها دورة لا تنتهي حتى يرث الله الأرض و من عليها .
عبداللطيف العواملة كانت حياته رحلة مليئة بالاحداث. كان يقبل على الصعاب و يصنع الانجازات بصمت و ايثار. كانت مسيرته حكاية اردنية اصيلة تعبر عن الوطن في مرحلة حاسمة من تاريخه. مرحلة كان فيها بناء المؤسسات هو العنوان، مع التكامل و التكافل المجتمعي. مرحلة شهدت نهضة شاملة عاش الاردن خلالها تحولات عميقة و احداث جسام. و مع تجاربه الشخصية المتنوعة و علاقاته الرسمية و المجتمعية الواسعة، اتسمت شخصيته القيادية بالانفتاح على الجميع، مع الجرأة و سرعة البديهه، و كذلك الشجاعة في قول الرأي مع الحكمة في اتخاذ القرار. كل ذلك و اكثر ادى الى انه ترك ارثا كبيرا و اثرا عميقا في النفوس. فقد كان رحمه الله ابا و صديقا و قائدا. رجل من طراز فريد، يحق له ان نرثيه و نبكيه و نفتقده ، و أن تنكس له الدلال و تطفأ النار و تتلصم الرجال .
لقد كان لعبد اللطيف العواملة نظرة وطنية خاصة، جوهرها لم يتغير على مدى العقود و مع كل التجارب. فكان ايمانه عميقا ان الاردن نموذج يحتذى به عربيا و اقليميا. فهو بلد التنوع الحقيقي و التسامح الصادق و الوسطية الواقعية في كل شئ. كان يرى في التنوع الثقافي و العرقي و الديني مصدرا للتفوق الاردني و اساسا متينا لانسجام الوطن مع نفسه و سر نجاحه.
عبداللطيف العواملة كان يؤمن ان بدايات الاردن فيها البذور السليمة لاستشراف مستقبله. فالحراك السياسي و الثقافي و الاجتماعي الذي صاحب نشوء الدولة كان يتمحور حول التنوع و الانفتاح و هذا سر قوتها و مفتاح مستقبلها. في مقال كتبه قبل ثلاثة اشهر من وفاته بعنوان "التاج معقد الاستقلال"، قال رحمه الله فيه: "من دروس الاستقلال ان الرعيل الاول، على اختلاف ارائهم السياسية، اجتمعت و تماهت جهودهم في خدمة الوطن و غاياته الاسمى. اكثر من رأي و وطن واحد، كان بالفعل العنوان و الممارسة. ادام الله الاردن حرا منيعا مهابا مستقرا تحرسه عناية الرحمن و حدقات العيون، و رحم الله الملك عبد الله الاول، و الملك طلال، و الملك الحسين، و اطال في عمر صاحب التاج جلالة سيدنا، و حفظ ولي عهده الامين".
رحمك الله يا ابي، فمواقفك و كلماتك تعيش فينا و بيننا . لنا في ارثك الكبير و سيرتك العطرة اكبر الحافز على استمرارية العطاء. نعاهدك أن تبقى فينا زيت السراج الذي لا ينطفئ ابدآ، نسأل الله لك الرحمة و المغفرة، و نسأله لنا الثبات على نهجك.