الهلال نيوز/ عمليتا اغتيال الزعيم السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر، أحد كبار قادة حزب الله في بيروت، قد تكونان مصممتين لإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعض الانتصارات، والانعطاف نحو إنهاء الحرب في غزّة، أو قد تشيران إلى نواياه لتصعيد الصراع، وربما جرّ الولايات المتحدة إلى مواجهة إقليمية أوسع مع إيران وحزب الله، حسب نائب رئيس معهد الشرق الأوسط للمشاركة الدولية، بول سالم.
خيار التصعيد هو الأرجح، يقول الزميل الأقدم للشؤون الإسرائيلية في المعهد، نمرود غورين، "نظراً إلى تصرفات نتنياهو ورسائله خلال الأشهر الأخيرة، والتي لا ترجّح أولوية التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار على جدول أعماله". يوافقه الرأي، مدير برنامج فلسطين والشؤون الفلسطينية الإسرائيلية في المعهد، خالد الجندي، بقوله: "يجب أن تضع التطورات الأخيرة حدّاً لفكرة اهتمام نتنياهو بوقف إطلاق النار أو بمساعيه لتجنّب حرب إقليمية شاملة. والسؤال الآن: كيف ستستجيب واشنطن لهذه الأزمة الأخيرة؟".
"يجب أن تضع التطورات الأخيرة حدّاً لفكرة اهتمام نتنياهو بوقف إطلاق النار أو بمساعيه لتجنّب حرب إقليمية شاملة. والسؤال الآن: كيف ستستجيب واشنطن لهذه الأزمة الأخيرة؟".
واشنطن ستساعد إسرائيل في صدّ هجوم إيراني محتمل، أجاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكنه لا يتوقع بعد ذلك مزيداً من التصعيد من قبل تل أبيب، التي يتوجب عليها التحرك الفوري نحو صفقة الرهائن. يضيف أكسيوس، نقلاً عن مسؤول أمريكي، أن بايدن حذّر نتنياهو، خلال حديثهما: "إذا صعّدت مرةً أخرى، لا ينبغي لك الاعتماد علينا لإنقاذك".
وجاء اتصال بايدن بنتنياهو، لمناقشة الاستعدادات العسكرية المشتركة لمواجهة انتقام محتمل من قبل إيران وحزب الله، ولإبلاغه بعدم الرضى عن الاتجاه الذي اتخذه، وفق مسؤولين أمريكيين تحدثوا إلى أكسيوس، "حيث يشعر الأول بأن الثاني أبقاه في الظلام بشأن خطط تنفيذ الاغتيالات، بعد أن ترك انطباعاً خلال زيارته لواشنطن بالاهتمام بطلب بايدن، التوصل إلى اتفاق حول الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة، وضعته إدارة بايدن في قلب إستراتيجيتها الكاملة لمنطقة الشرق الأوسط بعد الحرب، ويراه الأخير عنصراً أساسياً في إرثه للأشهر الستة المتبقية له في منصبه".
قراءتان متعاكستان
دوافع عدة تقف خلف عملية اغتيال هنية، حسب مركز الإمارات للسياسات، أهمها: تحقيق مصلحة نتنياهو في تقويض مفاوضات التوصل إلى اتفاق التهدئة وإدامة الحرب، حيث تشير بعض التحليلات، إلى أن هدف نتنياهو من ضربتي الضاحية الجنوبية وطهران، هو جرّ إيران وحزب الله وباقي "محور المقاومة" إلى حرب إقليمية واسعة، وتالياً توريط واشنطن فيها، نظراً إلى التزامها بالدفاع عن إسرائيل، وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بعد اغتيال شكر، بقوله إن بلاده "ستُدافع عن إسرائيل إذا تعرّضت لهجوم من حزب الله ردّاً على الضربة الإسرائيلية". وبذلك يحقق نتنياهو مصلحةً شخصيةً بإطالة عمر حكومته، مع مصالح سياسية تتعلق بحسم المواجهة مع إيران، وربما القضاء على قدراتها النووية بمساعدة أمريكية.
اندلاع حرب إقليمية لا يصبّ في مصلحة الإدارة الأمريكية الحالية التي تواجه سنةً انتخابيةً، لذا من المتوقع أن تبذل كل الجهود الممكنة لعدم انفلات الصراع، خاصةً أن لديها قنوات تواصل غير مباشرة مع طهران، وإمكانيات ضغط على إسرائيل
في المقابل، يرى آخرون أن "نتنياهو هَدَفَ إلى إظهار الصلابة أمام الجمهور الإسرائيلي، والخروج بصورة نصر لإنهاء الحرب في غزّة من موقع قوة". وبحسب مركز الإمارات للسياسات، اندلاع حرب إقليمية لا يصبّ في مصلحة الإدارة الأمريكية الحالية التي تواجه سنةً انتخابيةً، لذا من المتوقع أن تبذل كل الجهود الممكنة لعدم انفلات الصراع، خاصةً أن لديها قنوات تواصل غير مباشرة مع طهران، وإمكانيات ضغط على إسرائيل.
إسرائيل تصّعد من آلية الردع مع إيران، وترسل رسالةً مفادها أن الخطوة التالية هي الحرب الشاملة، وتتوقع كل من تل أبيب وواشنطن أن طهران لا تريدها؛ يقول قتيبة إدلبي، لرصيف22، وهو زميل أول ومدير برنامج سوريا في المجلس الأطلسي. ويضيف: "هناك قراءتان في واشنطن لهذا التصعيد؛ أولاهما، أن تصعيد تل أبيب على الجبهات كافة هو لتبرير عدم دخولها في اتفاق وقف إطلاق النار. وبجانبها قراءة معاكسة، أتفق معها بعض الشيء، تقوم على أن حكومة نتنياهو تهيئ عملياً لإجراء اتفاق خاص بتبادل الرهائن، بعد عودتها إلى الشارع الإسرائيلي بقولها: سنوقّع على الصفقة بعد أن انتصرنا على حماس، وقد قتلنا محمد الضيف، وقتلنا إسماعيل هنية، وقتلنا نائب حسن نصر الله".
وعليه، "يراكم نتنياهو انتصاراتٍ اليوم، ليقدّمها للشارع الإسرائيلي وكأنها انتصار للشارع الإسرائيلي، ويقول: أنا حققت أقصى ما يمكن تحقيقه وها نحن جاهزون للقبول بصفقة تبادل الرهائن"، بحسب إدلبي.
لكن موجة الاغتيالات الإسرائيلية جعلت الحرب الإقليمية أقرب من أي وقت مضى. كما أن دوامة التصعيد الخطيرة يمكن أن تجرّ الولايات المتحدة إلى عمق الأزمة الإقليمية، وتبخّر الآمال في وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن بعد أشهر من المفاوضات المتأنية، ما يجعل إصرار الإدارة الأمريكية على أن وقف إطلاق النار لا يزال في متناول اليد، أجوف، حسب تقرير آخر للموقع الأمريكي المشهور بتسريباته الاستخباراتية، أكسيوس.
تقول إيرينا تسوكرمان، وهي محامية أمن قومي وخبيرة أمريكية في الشؤون الدولية والإستراتيجية: "ليست لدى إسرائيل مصلحة في جرّ واشنطن إلى الحرب، فالقيود المفروضة على إسرائيل هي التي تساهم في التصعيد وليس العكس، ومحور المقاومة هو المسؤول عن انتشار الصراعات والاشتباكات في المنطقة، بسبب الاسترضاء والعقاب الأمريكيين". وبرأيها، طهران في حالة حرب مع واشنطن منذ عام 1979، عندما استولت على السفارة الأمريكية فيها، ومنذ ذلك الحين وهي في تصاعد مستمر.
مع ذلك، تواصل واشنطن انتهاج سياسة متضاربة، تتمثل في السماح لإسرائيل بـ"الدفاع المحدود عن النفس" مع منعها من ضرب إيران مباشرةً، حتى دون مساعدة واشنطن، تضيف تسوكرمان، لرصيف22. وعليه، تفسر إيران هذه السياسة بأنها ضوء أخضر لتوسيع هجومها العسكري في جميع أنحاء المنطقة، والتسلل إلى الدول من الداخل.
ثورتنا على الموروث القديم
الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.
اطمئن/ ي!
عناق الدبّ
"نتنياهو لا يعطي أولويةً لمصالح الإدارة الأمريكية"، يذكر توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، ويضيف: "مع ذلك، واشنطن مجبرة على اختيار ما يجب فعله حيال إيران، التي أصبحت بفضل سياسات الاسترضاء التي انتهجها بايدن والرئيس الأسبق باراك أوباما، قوة عتبة نووية، وقوة إمبريالية في الشرق الأوسط تهيمن على المنطقة وتفرض صراعات مع إسرائيل لا تريدها معظم الدول العربية".
وبحسب الجندي: "لم يتم إبلاغ واشنطن مسبقاً بعملية اغتيال هنية، ما يمثل إحراجاً كبيراً للإدارة الأمريكية، يرجّح معه زيادة توتر العلاقة المتوترة أصلاً بين نتنياهو وإدارة بايدن. وتل أبيب تركت واشنطن في الظلام في عملية ذات تداعيات بعيدة المدى على المنطقة بأسرها، برغم المليارات من المساعدات العسكرية والدعم غير المشروط الذي قدّمته الإدارة الأمريكية لإسرائيل طوال الحرب، ما يلقي مزيداً من الشكوك حول فعالية نهج ‘عناق الدب’ الذي يتّبعه بايدن مع إسرائيل، والذي لم يفشل في احتواء الحرب أو منع التصعيد فقط، بل قد يجرّ واشنطن إلى صراع أوسع في المنطقة، خاصةً مع إيران".
"هناك قراءتان في واشنطن لهذا التصعيد؛ أولاهما، أن تصعيد تل أبيب على الجبهات كافة هو لتبرير عدم دخولها في اتفاق وقف إطلاق النار. وبجانبها قراءة معاكسة، أتفق معها بعض الشيء، تقوم على أن حكومة نتنياهو تهيئ عملياً لإجراء اتفاق خاص بتبادل الرهائن، بعد عودتها إلى الشارع الإسرائيلي"
"لكن الأحداث التي أدت إلى الأحداث الحالية، ترجع في النهاية، إلى الفشل المتعمد في الردع من قبل واشنطن، التي هي أقوى بكثير من إيران ووكلائها مجتمعين، ومع ذلك سمحت لإيران بالانتشار في جميع أنحاء المنطقة، من دون رد عسكري كافٍ لمنعه"؛ حسب تسوكرمان، ما أدى إلى مزيد من الهجمات الإيرانية على دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، واستيلاء "حزب الله" على لبنان، وترسيخ الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" في سوريا والعراق وسواهما.
وبرأيها أيضاً، فإن "الصفقات الأمريكية المختلفة مع إيران، هي التي غذّت الصراع الحالي. وعندما حاولت واشنطن إنشاء تحالف دفاعي بين إسرائيل وجيرانها، تناقضت هذه السياسة مع ‘توازن’ علاقات واشنطن مع بعض الدول الإقليمية. والنتيجة النهائية هي وضع سياسي فوضوي".
وفي هذا السياق، يشير محمد سحيمي، من معهد كوينسي، إلى "هدف ثانٍ لتل أبيب باغتيال هنية، فعدا عن تحييد الأخير، تعمل إسرائيل على مضاعفة عقبات أي حوار محتمل بين إدارة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزيشكيان، وواشنطن. واغتيال هنية في طهران، هو الفخ؛ إذا لم تفعل إيران شيئاً، ستتعرّض للسخرية في المنطقة، وسيعمل المتشددون فيها على شلّ برامج بزشكيان التفاوضية مع واشنطن قبل بدايتها. وإذا ردّت بقوة، فقد تجبر واشنطن على التدخل مباشرةً للدفاع عن إسرائيل. وفي الحالتين، ستكون إسرائيل ‘رابحةً’ مؤقتاً. كذلك فإن اتساع دائرة الحرب سيلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث ستقف إدارة بايدن بجانب إسرائيل، ما سيخلق مشكلات حادةً لنائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تحاول تمييز نفسها عن بايدن ودعمه غير المشروط لإسرائيل".
يؤكد إدلبي أن "الرؤية الغالبة في واشنطن هي أن ما جرى مؤخراً هو تمهيد لاتفاق قادم، لذا ليس لديها تخوف كبير من اندلاع حرب جراء هذا التصعيد. لكن في الوقت عينه، هناك أولوية أمريكية حيال هذا التصعيد، تتمثل في حصره بين أطرافه الموجودة، حزب الله وإسرائيل وحماس، دون تدخّل أطراف أخرى". لذا، إن كان هناك حديث عن تدخل أمريكي برأيه، فهو حديث عن تدخل لوقف انخراط الحوثيين في الأزمة الحالية بشكل أو بآخر، مع وضع حدّ لهجماتهم في البحر الأحمر، أو محاولاتهم تنفيذ هجمات في شمال الشرق الأدنى.
تقف الحالة السياسية والقانونية لنتنياهو كعائق شخصي أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إذ تنتظره في نهاية الحرب محاكمة بقضايا فساد، أو في أقل تقدير مساءلة عن الفشل في توقّع عملية "طوفان الأقصى".
ووفقاً لبيان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أبلغ نتنياهو بايدن، بأنه يقّدر الدعم الأمريكي، "وكرئيس لوزراء إسرائيل، فإنه يتصرف فقط وفقاً للاحتياجات الأمنية لدولة إسرائيل". رداً على ذلك، قال مسؤول إسرائيلي كبير، لأكسيوس: "رفع بايدن صوته وقال إنه يريد التوصل إلى اتفاق في غضون أسبوع إلى أسبوعين". وأضاف: "اتفاق الرهائن ووقف إطلاق النار هو أهم شيء في الوقت الحالي".
وفي الصورة الكبيرة، تقف الحالة السياسية والقانونية لنتنياهو كعائق شخصي أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إذ تنتظره في نهاية الحرب محاكمة بقضايا فساد، أو في أقل تقدير مساءلة عن الفشل في توقّع عملية "طوفان الأقصى". وبرغم الجبن الذي يوصف به نتنياهو، إلا أن مصالحه الأنانية الضيقة، وتركيبة حكومته المتطرفة، مع خروج شخصيات عقلانية نوعاً ما من كابينة الحرب، تشكل بمجموعها دوافع قويةً لذهاب تل أبيب نحو مزيد من التصعيد، بهدف جرّ الطرف المقابل إلى ردّ قد يؤدي إلى حرب شاملة، وتالياً جرّ واشنطن إلى هذه الحرب، بالاستفادة من دعمها اللامحدود لإسرائيل، مقرونةً بضغوط محدودة عليها، نتيجة الوضع الداخلي الأمريكي، الذي يتسابق فيه مرشحو الرئاسة على الفوز بلقب المدافع الأول عن أمن إسرائيل، كمقدمة للفوز بسيادة البيت الأبيض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.