قال السياسي والباحث العربي الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن أنّ أحداث السابع من اكتوبر الماضي لا سابق لها في تاريخ الصراع الفلسطيني العربي، وهو يشبه من حيث المباغتة هجوم اكتوبر ١٩٧٣، وهو الانتصار العربي العسكري الأبرز الذي يعتز به.
جاء ذلك في الندوة التفاعلية التي عقدت في "الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة" تحت عنوان: "قراءة آنية ومستقبلية في (طوفان الأقصى)" حيث قدم المهندس معن ارشيدات (عضو الجمعية) د. أسعد الذي حلل بعمق تداعيات العمليات العسكرية الأخيرة في قطاع غزة، وقدم فيها رؤية موسعة حول الأبعاد المختلفة للصراع مضيئاً للأبعاد والتداعيات السياسية والعسكرية والاجتماعية للحرب.
بدأ د.عبد الرحمن حديثه منوها الى ابرز الحقائق والوقائع التي تم كشفها من خلال عملية (طوفان الاقصى) . فعلى المستوى السياسي؛ كشف د.عبد الرحمن: "أن المقاومة استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية من جديد إلى طاولة المفاوضات بعد أن كاد غبار النسيان أن يطويها، كما استطاعت إعادة مصطلح "حل الدولتين" من جديد، وإعادة فكرة "حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني" الذي ما كان ليحدث لولا معركة طوفان الاقصى"، مشيرا إلى كون عملية (طوفان الأقصى): "ساهمت بإيقاف عملية التطبيع العربي الاسرائيلي ولو مؤقتا، مثلما كشفت جرائم الاحتلال الاسرائيلي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية بحق أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، إضافة الى تراجع العلاقات مع دولة الإحتلال من أكبر الداعمين لها. كما نجحت طوفان الاقصى بالكشف عن غطاء "التوحش" الذي كان يخفيه الاحتلال، وفضحت أبشع ما بداخل الكيان المحتل المتطرف، إضافة الى جرّ الكيان الاسرائيلي الى محكمة العدل الدولية، وإخراجه من عباءة ولعب دور الضحية الى دور الجلاد"، منوها إلى أن: "الإحتلال" وكيانه المزعوم فقد مكانته الزاهية السابقة على المستوى الدولي، وتحوّل الى دولة منبوذة من عدد متنام من الدول، مثلما فقد كثيرا من الدعم الذي كان يحظى به من دول الغرب، والتي كان آخرها دعوة الرئيس الفرنسي المتجددة بإيقاف الدعم العسكري عن الإحتلال الاسرائيلي، بالإضافة إلى اضطرار الإسرائيلين لإخفاء هوياتهم وجنسيتهم في كثير من دول العالم". أما على صعيد النتائج العسكرية؛ فاعتبر د. عبد الرحمن أن المقاومة: "أظهرت ضعف "إسرائيل" بشكل غير مسبوق، وأدخلت المجتمع الإسرائيلي في صدمة جماعية، كما أدت إلى تحويل عقيدة الجيش الإسرائيلي من الحروب السريعة إلى استراتيجيات طويلة الأمد، مما أثر سلبًا على تصور القوة"، وفيما يتعلق بالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية؛ فقد "بدأت هجرات عكسية من المجتمع الإسرائيلي، خاصة بين النخب الاقتصادية، مع تدهور الوضع الاقتصادي، وتزايد الاستياء من تجنيد الشباب الإسرائيلي في حرب طويلة الأمد". وفيما يخص الموقف الداخلي الإسرائيلي، رأي د. عبدالرحمن أن: "هناك اعترافات بالفشل في تحقيق الأهداف العسكرية، مثل تحرير الأسرى الاسرائيليين، وتصاعد في حدة الانتقادات تجاه الجيش والحكومة، مع وجود انقسام داخلي حول القيادة، ناهيك عن استطالة القتال ووقوع قتلى وجرحى على نحو قياسي.
وأضاف د. اسعد عبد الرحمن: "في غضون 6 ايام انتصرت "اسرائيل" على دول عربية عام 1967، واستولت على أراضيها، الأمر الذي أصابها بالغطرسة والعدوانية المفرطة؛ فكان لـ (طوفان الاقصى) الاثر الواضح والكبير في توجيه ضربة كبيرة أصابت أوهام الإسرائيلي" مشيرا الى ان: "المجتمع الاسرائيلي لم يعد يطيق الحياة داخل مجتمعه، وهناك توجه واضح لثلث الاسرائيليين للسفر خارج "البلاد"، إضافة الى ان المؤشر الاقتصادي داخل الكيان أضحى مقلقا جدا، وتوقفت قطاعات مهمة كانت تدر الأموال الوفيرة على خزينة الكيان المحتل".
وفي الختام اعتبره د. عبد الرحمن أن: "هذه "الحرب باتت تُعتبر في اعين الكثيرين عربا ومسلمين"حرب وجود" لا "حرب حدود"وبالذات بعد انكشاف المخططات التوسيعية والاحلالية الإسرائيلية، مما يعني أن الصراع سيستمر بشكل طويل ومعقد، وأن النصر أو الهزيمة سيتحدد بناءً على قدرة كل طرف على تحقيق أهدافه الرئيسية في الساحة السياسية والعسكرية"، داعيا " من فهم المعايير الحقيقية للنصر والهزيمة في سياق الصراع المستمر، حيث من المتوقع أن يشهد المستقبل مزيدًا من الصعود والهبوط في الخط البياني، مع تصاعد الحروب النفسية وأثرها على المعنويات".
وفي نهاية الندوة الشاملة التي جاءت في أجواء مفعمة بروح الشعور بالمسؤولية والحرص والأمل، ووسط حشد نوعي كبير وتفاعل واسع مع نخبة من المثقفين، دار حوار مطول بين المحاضر والحضور، كما كرمت الجمعية ممثلة برئيسها معالي المهندس سمير حباشنة وأعضاء الجمعية المحاضر د. عبد الرحمن بدرع "الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة".