الهلال نيوز/ لم تهدأ الحرب المشتعلة بين أقطاب جماعة الإخوان، الأولى بقيادة القائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، والثانية بقيادة الأمين العام محمود حسين، ويومًا بعد الآخر يثبت كل منهما أن الصراع بين الكبار لن ينتهي إلا باقتلاع أحدهما للآخر، ولهذا يسعى كل طرف الآن إلى السيطرة على الملفات التى بحوزة الآخر، لكن أصبح هناك شبه اتفاق على أن الضربة القاضية لن تكون إلا عبر السيطرة على ولاء «التنظيم الدولي».
اجتماعات إسطنبول
خلال الأيام الماضية، جرت اجتماعات بكثافة فى إسطنبول بين رموز جبهة التمرد على نائب المرشد والقائم بأعماله، للانتهاء من السيناريو الأخير للخلاص من إبراهيم منير بالضربة القاضية، ويتولى هذه المهمة مختار العشرى ومدحت الحداد وصابر أبو الفتوح، خاصة أنهم نجحوا فى المهمة الأولى بما لهم من خبرة كبرى بالتنسيق مع المكاتب الإدارية المختلفة داخل المحافظات المصرية، لعدم طاعة قرارات منير وخاصة حل مكتب تركيا ومجلس الشورى، وتسليم الملفات السرية للمكتب الجديد.
وبحسب المصادر التى تحدثت إليها «فيتو»، فإن اللعب الآن على تشكيل تكتل دولى داعم لمحمود حسين من داخل التنظيم العالمى ومعروف أنه بيت القصيد، والداعم الأكثر شراسةً فى جبهة «منير»، وتستغل جبهة الأمين العام انهيار كيانات الإخوان فى تونس والمغرب وموريتانيا بسبب خلافاتهم مع القائم بأعمال المرشد لحشدهم ضده.
حال نجاح المخطط، ستسعى الجبهة إلى إصدار بيان داخلى على الأقل، يحمل «منير» المسئولية الكاملة عن انسلاخ الأجنحة الإخوانية فى الخارج الواحدة تلو الأخرى، والإفصاح عن خطايا الرجل وفشله رغم سيطرته على الملف طيلة عقود من الزمن، دون أن ينجح فى الوصول إلى حلول وسط تمنع انهيار التنظيم على المستوى الدولى، ما يعنى هدم أول قالب فى جدار جماعة يتأسس مشروعها على نشر أفكارها بالخارج للسعى إلى تحقيق ما يسمى بأستاذية العالم.
كما تحاول جبهة الأمين العام المفصول من الجماعة بقرار إبراهيم منير، إثبات فشل الرجل الأول الذى تولى المسئولية فى ظروف مفاجئة بعد القبض على محمود عزت، وتحميله مسئولية انهيار التنظيم فى كل الأقطار العربية والإسلامية، وتفنيد مزاعمه ولا سيما أن الجماعة تعرضت طوال تاريخها إلى ضربات كبرى، لكنها لم تفقد السيطرة على التنظيم الخارجى يوما بل كان دائما الأكثر حرية وقوة فى مساندة إخوان الداخل، وهو ما لا يحدث الآن بل تعانى الإخوان خارجيًّا ربما أكثر من الداخل.
سيناريو المخطط
وتعمل جبهة محمود حسين على أكثر من محور لتنفيذ مخططها، وتشن يوميًا حملات ممنهجة داخل أفرع التنظيم الدولى، وتستهدف فى كل حملة منفصلة عن الأخرى واحدة من مشكلات القائم بأعمال المرشد، التى تعطل صلاحيته لتولى أي مواقع قيادية بالأساس، وتحاول إلصاق الضعف بشخصه، والدليل تعرية قيادات وعناصر الجماعة فى تركيا، التى تتقارب الآن مع مصر وتتجاهل الإخوان فى المقابل والتنظيم متجمد ولا يقوى على التصرف.
كما يقوم «حسين» ومجموعته على صلاحيته وجدارته بلعب دور أكبر مع تركيا بوصفها البلد الأكثر مركزية فى مشروع الإخوان حاليا، بعد أن لفظت الجماعة الأم فى مصر، وتبرأت منها وأدارت وجهها لأزماتها ومشكلاتها أغلب أذرعها القديمة، سواء بسبب تغير الأوضاع والأنظمة السياسية كما هو الحال الآن فى السودان وتونس والمغرب أو لتفسخ التنظيم ورغبة الكثير من أطرافه الابتعاد عن مشروع الجماعة الأم وبدء مشروعات أخرى تركز على الداخل والصياغة الوطنية كما هو الحال فى ليبيا وتونس.
ويروج «حسين» داخل أوساط كبار القيادات القدامى الذين تجمعهم به علاقات شخصية تاريخية، أنه حصل على وعود بقبول وساطته كمسئول عن الجماعة للتدخل لدى السلطات التركية لمنع تصعيد القرارات اللاحقة لتقييد فضائيات الإخوان وتقييد أنشطة الإخوان على أراضيها، بشرط عزل منير، ورفض قرارات حل المكتب الإدارى للجماعة ومجلس الشورى ورفض نتيجة الانتخابات وتأجيلها لـ6 أشهر يستطيع فيها تطهير الصف من الموالين لمنير.
وتتحرك الدعاية اليومية لجبهة الأمين العام السابق داخل معاقله فى التنظيم الدولى، وتلعب على عنصر الوقت لإطالة أمد الخلاف، خاصة أن إبراهيم منير يصر على إجراء التحقيق فى كل المبادرات التى يتقدم بها كبار الجماعة لحل الخلاف بين الطرفين، هذا فضلًا عن إصراره عدم التنازل عن أي خطوة سواء حل المكتب الإدارى بتركيا الذى كان يشغله مؤيدو حسين وأنصاره، وكذلك تشكيل لجنة خاصة لإدارة المجموعة التى أطلق عليها اسم لجنة إدارة تركيا والتى تتكون من مجموعة من القادة الموالين له وهو ما يرفضه محمود حسين ويمضى فى طريق الصراع الصفرى حتى نهايته.
بخلاف التنظيم الدولى، يتلاعب محمود حسين بمجلس شورى الإخوان، يعتمد على أتباعه من الأعضاء الذين أعلنوا تمردهم على القائم بأعمال المرشد لخوض مفاوضات ماراثونية مع بقية أعضاء المجلس للانضمام إليه، ويعول على حرب تفسير اللائحة التى يفسرها كل طرف لصالحه ومن خلال قراءته الخاصة، وربما هذا ما يكشف سر إصدار كل طرف بيانات دعم وتأييد من مجلس الشورى باتباع مساره الخاص فى حل الأزمة بإقصاء الطرف الآخر وحشره داخل دائرة صغيرة تمهيدا للخلاص منه نهائيا.
مكاسب الخلاف
المثير أن محمود حسين أصبح يستفيد أيضا من عدد الناقمين على الطرفين ومنهم قيادات كبرى اعتبرت من اليوم الأول لاندلاع الصراع، أنه خلاف على مصالح، حيث يساهم ذلك أيضا فى تأجيل حسم الموقف وزيادة خلط التفسيرات على الصف الذى يتأرجح عدد كبير منه فى المنتصف، ولا يستطيع اتخاذ موقف سواء معلن أو غير معلن للانحياز إلى جهة بعينها، ولا سيما أن الجميع يعلم أن منهج القيادات الكبرى واحدة وينتمون إلى نفس المدرسة بغض النظر عن الخلاف على المصالح والتفسيرات التى تخول لكل طرف الانفراد بالسلطة فى التنظيم لتحقيق مشروع الجماعة.
جدير بالملاحظة هنا أن قوة تنظيم محمود حسين ليست بالأمر الهين، وهو ما يتحدث عنه كبار القيادات القدامى التى غادرت الجماعة وأصبحت من ألد أعدائها الآن مثل المفكر مختار نوح، الذى أشار إلى حصول جبهة حسين حتى الآن على الإعانة المقدمة للتنظيم من الجهات الدولية الداعمة له والتى تقدر بـ30 مليون جنيه شهريًّا، ويسيطر على هذا الملف تماما القيادى الإخوانى همام يوسف، أحد أبرز قيادات جبهة التمرد على نائب المرشد، بينما محمد عبد الوهاب العضو البارز أيضًا ضمن جبهة التمرد هو مسئول الاتصالات الذى كان ينقل أوامر محمود عزت من مخبأه فى القاهرة إلى المركز فى تركيا، وبالتالى أخطر ملفين فى الجماعة وكواليس العمل عليهما بحوزة الأمين السابق الذى رفض تمامًا تسلمهما للمكتب الجديد وتدريب الشباب على كيفية الحصول على المنحة الشهرية وآليات التواصل مع جهات التمويل.
ويؤكد «نوح» أن المال والنفوذ هو الحقيقية الواضحة التى لا جدال عليها للصراع الإخوانى، فقرارات التوقيف التى أصدرها إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد الآن، والرد عليه بعزله من مجموعة التمرد، هى قصة صراع على ملف التمويل التى رفض حسين اقتراب أي شخص لا يدين له بالولاء منه، ولا سيما أنه كان المتحكم الرئيسى فى مساراته طوال السنوات الماضية، وليس سهلًا إيجاد لاعبين جدد، أما اللوائح والثوابت والشورى والديمقراطية وما يتم تسويقه فى الإعلام فليس له سند من الواقع، على حد قوله.