دعونا نتفق أولا أنه كان فوزا بلا كراهية. لقد تعادل الرمثا مع الفريق المقابل (الجزيرة)، لكن منافسه الفعلي هو فريق آخر (الوحدات) كان بدوره وفي الوقت نفسه يفوز على فريق مختلف (العقبة).
لقد أنقذ فوز الأمس البلد من موجة مشاعر مقيتة كان الأردن كله يتأذى منها وبشكل متكرر في المواسم الأخيرة. أظن أن الرمثا كلها، فريقا وجمهورا وأهالي كانوا يوم أمس خارج تلك المعادلة المؤذية.
أمضيت حوالي ثماني ساعات في الرمثا في الشوارع وقرب الأصدقاء. كان يوما خرافيا. لا يمكن فهمه بالكامل، ويحتاج فعلا للتمعن كثيرا.
مرة واحدة، عند حسم النتيجة، بدا وكأن الناس ينبتون في الشوارع، رجالا ونساء وشبابا وفتيانا وأطفالا، الكل يتحرك بانفعال، وخلال لحظات كان مدخل المدينة مكتظا بتجمع، أجزم بثقة انه الأكبر فيما شهدت في حياتي وعلى مستوى البلد ككل.
كتبت قبل المباراة أن فرح الرمثا، إن حصل، فإنه سيتوزع على نطاق واسع وأن الرماثنة سيتقاسمون فرحهم مع الآخرين، ولكن النتيجة فاقت التوقعات. لكم ان تتصوروا أن الفريق احتاج لحوالي ستة ساعات لقطع المسافة بين عمان والرمثا التي تستغرق عادة أقل من ساعة ونصف. كان ينقل إلينا أن الطريق كله من عمان إلى الرمثا عبارة عن احتفال متواصل.
في الرمثا نفسها، كانت تعبيرات الفرح شديدة التنوع، في الساحة الرئيسية والشوارع وأسطح المنازل وظهور السيارات والشاحنات. كانت توجد بؤرة مركزية للاحتفال، لكنك تجد بؤر فرح في مكان، حلقات دبكة ورقص لا تنتهي ولا تتوقف.
أعود لما أراه مهما على المستوى الوطني العام: لقد كان فرح الرمثا فرحا "بالمطلق”، لم يكن موجها ضد أحد أو طرف. كانت الرمثا والرماثنة هم الحاضر الوحيد في هتافات الناس وانفعالاتهم. لم أسمع هتافا مسيئا على المستوى الجماعي تجاه أي طرف أبدا. كان الناس فرحون.. وفقط فرحون، بفريقهم وبمدينتهم وبأنفسهم.
يحتاج فهم مشهد الأمس إلى بحث أعمق، لعل كل فرد في الرمثا كان يقتص من ضيق أو مظلومية عاناها هنا وهناك. تذكرون أن المدينة تعاني منذ سنوات، وهي معاناة تحصل لأول مرة بهذه القسوة.
لقد استعادت المدينة روحها العذبة. وبالمناسبة أيها الأصدقاء من غير الرماثنة: الرمثا فعلا مدينة مُحبة. قد تجد فيها الفوضى ومخالفة القوانين والفضول الزائد والشطارة والفهلوة والتخويث أحيانا… ولكنك أبدا لا تجد الكراهية.
شخصيا، انتقلت من الرمثا للسكن في عمان منذ 30 عاما، من المؤسف أن عدوى أمراض العاصمة أصابتني، تذكرت أمس أنني ابتعدت فعلا عن روح مدينتي التي تعلمت فيها المحبة… والدقارة أيضا.
لقد كان بلدنا بالأمس أمام درس إنساني أردني بلسمات رمثاوية..
أيها الإخوة، بلدنا عصي على الخراب.. دعكم من هذر العاصمة ونخبها.