يقول توماس بين :- عندما يطرق الرقي باب امة من الامم يسأل : هل يوجد هنا فكر حر ؟فأن وجده دخل والا مضى . صحيح ان عمامة الصالح والفاسق مصنوعتان من القماش نفسه ولكن الفرق في الفكر الذي يحمله رأس من يلبسها - ان نهضة اي امة مرهونة بحركة الوعي الفكري لديها فامية الفكر هي التي تفتك بالمجتمعات وليس الأمية الأبجدية كما يقال – فاليقظة العقلية الفكرية سابقة لاي نشاط سياسي او اقتصادي وامتنا العربية هذه الايام عقلها الجمعي فكرها مغيب تماما وفي حالة سبات شتوي طال امده حتى استحال الى عجزا وكسلا وخمولا شبه دائم .
فالمشهد العربي الراهن مشهد مبكي مضحك ويندي له الجبين – في الخمسينيات من هذا القرن تجاوزنا في تفكيرنا الدوله القطريه ورفعنا شعار - دولة الامة الواحدة الدولة القومية الموحدة من الخليج العربي الثائر الى المحيط الهادر - وتجاوزنا البعض في الطرح والمزوادة علينا نحن البسطاء ومحدودي الثقافة السياسية انذاك بالطرح الاممية العالمية - دولة العمال ودولة الفلاحين ودولة الخلافة - والتي يتساوى فيها الجميع بغض النظر عن اللغة والدين والعرق وامتلئت مكتباتنا بالنظريات الفلسفية الاممية والقومية والاسلامية ودار سجال كبير حول هذه الافكار المطروحة وعقدت المؤتمرات القومية والاممية ورفعت الشعارات الثورية ودغدغت هذه الشعارات الكبيرة البسطاء امثالنا وانجرفنا ومن هم في جيلي وسني حماسا و تنظيرا لهذه الافكار والايمان بالدولة الافلاطونيه الفاضلة التى تحقق السعادة والطمأنينه للجميع واصدقكم القول انه كان حلما رائعا وجميلا و لكنه كان مجرد حلم ليلة صيف عابره – المبكي في المشهد العربي الان اننا لم نستطيع ان نبني مفاهيم الدولة ولا مفهوم الدولة القطرية المدنيه ونحن الان على مشارف القرن الحادي والعشرين – دولة حرية الرأي وحرية التنظيم ودولة القضاء المستقل وتداول السلطه السلمي وقبل هذا وذاك دولة المواطنة الحقة – لقد عدنا الى المربع الاول في نشأة الدول نتجمع حول القبيلة والعشيرة والتخلف والفوضى والتعصب الديني والطائفي المقيت والجوع والفقر والحرمان ولم نكتفي بهذا التشرذم بل بدأنا باعادة الاستعمار ودعوته الى بلادنا مدفوع الاجر –الاستعمار- الذي قدمنا قوافل الشهداء من اجل الخلاص منه ومن شروره – الاستعمار الذي تركنا عظما بعد ان اكل لحمنا وشحمنا - ومع قلة الامكانيات بنى لنا الاجداد والاباء انجازا وميراثا لم نتمكن من حمايته والمحافظة على ديمومة مؤسسات الدولة المدنيه لاننا لم نحسن البناء التربوي لمفهوم الدولة المدنية الحديثة فالدولة كما تعلمنا هي الهوية الجماعية للشعب حاضرها ومستقبلها تبنى الدولة على مؤسسات وليس على افراد اوحزب – فا لافراد والاحزاب الى زوال –اما الدولة و مؤسسات الدولة فتبقى بعدهم للاجيال –فالخلط بين المسؤولية الادارية للدولة والمسؤولية السياسية هو من اكبر الكوارث التى ادت الى تدمير العمود الفقري للدولة المدنية - لهذا فان الحكومات الاستبدادية تحمل في ذاتها خميرة زوالها – لهذا ايضا فلا امان بعد الان لمجتمع عربي يزداد فيه طغيان الهويات الفرعية على هوية الدولة كما لا امان لمجتمع الجوع والحرمان ولامستقبل لوطن يتعاضم فيه الشعور بالعجز والاحباط لدى مواطنيه ولا استقرار لبلد بعد اليوم يفتقد فيه المواطن حق المواطنة فيه والعدالة الاجتماعية و في اقتسام الثروة والسلطة معا – فهذا التهميش للفقراء والمحرومين والاستبداد والظلم والتفرقة بين الناس هو الخطر القادم الذي يهدم اسس الدولة المدنيه ويقوض نعمة الاستقرار الاجتماعي فيها –يقول ارسطو :- اساس النظام الديمقراطي هي الحرية واحدى مؤشرات الحرية هي ان يكون الفرد وبالتناوب حاكم ومحكوم .ولنتعلم ايضا من الطبيعة من ان الشق وسط حبة القمح يرمز الى ان النصف لك والنصف الاخر لاخيك في الارض والوطن معا – فهل يدرك ساسة امتنا العربية سنة الكون ويعودوا الى رشدهم عدلا واحسان ومناصفة في كل شى ! ام نبقى نسير في ذيل القافلة العالمية وعبيدا للجهل والفرقة والتشرذم - تخلفا وفقرا واحتلالا واستعمارا لارضنا وعرضنا و فكرنا وهوية امتنا العربية الجامعة .