لا شك أن الأردن يعيش هذا العام أجواء عيد الميلاد المجيد بحزن نبيل، نظرا للظروف الصعبة التي تمر بها فلسطين المحتلة بشكل عام، وقطاع غزة بصورة خاصة، وقد غابت الزينة وبدت الأضواء خافتة على شجرة الميلاد،
فيما تفتح الأسواق أبوابها بضحكات الأطفال، لكن الشوارع بدت خجولة، والأشجار تبتسم فرحا بعطاء السماء..
(٢)
مع قرع الأجراس، يحاول الأردنيون استعادة بعض الروح الاحتفالية على خجل، ونشر الأجواء الإيجابية والأمل.. لكنه العيد بكل ملامحه الحية، يحمل بشائر الخير والفرج.. ويهطل المطر..
(٣)
في صباح الميلاد المجيد نتمعن رسائل فادي زريقات، مدير مدينة الحسين للشباب الأسبق وأولها قوله:
إننا في أردن الوئام والسلام، نفرح معاً بعيد الميلاد المجيد، ونتطلع إلى عام جديد، مليء بالمحبة والخير والعطاء، ونقف صفا واحدا، متحدي الضمائر والأفئدة خلف قيادتنا الحكيمة والرشيدة، ملتفين حول ربان سفينتنا وحادي ركبنا جلالة الملك عبدالله الثاني، وهو يقودنا نحو السلام، بحكمته ومواقفه المشرفة، وكل عام وأردننا وقيادتنا الهاشمية وجيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية الساهرة وشعبنا الواحد بألف خير..
(٤)
وهنا نقول: لا شك أن الأردنيين مسلمون ومسيحيون ، يتحدون في مزيجٍ ديني متشابك، تحت مظلة الوطن الواحد، الذي بات الكثير يحسدونهم عليه، حيث أن رسالة السلام ستبقى على الدوام، مشعلا يضيء للبشرية دروبها المظلمة، لنعلن للعالم النعمة التي تحل علينا بالعيش الأمن في هذا البلد الطيب..
(٥)
تتواصل الحقائق التي نعيشها في هذا البلد الذي تستنشق أسرته الواحدة، «هواء هاشميا».. ما أنقاه وما أغلاه.. والصورة المشرقة التي عكسها الأردن طوال تاريخه الممتد منذ فجر التأسيس وحتى يومنا هذا، تؤكد في جملة ما اكدت عليه حقيقة النهج المعتدل الذي كرسه الهاشميون في المشهد الوطني وهم يجعلون من الأردن النموذج الذي يُحتذى في الإخاء والمحبة والتعاون والتكافل والأردنيون ضربوا أروع الأمثلة في التسامح الديني والإلتحام الوطني في إطار سياسة هاشمية حكيمة ترى في الاساس حرية العبادة وحق المواطن في ممارسة شعائره الدينية دون وصاية أو عسف أو منع أو تزمت، وبعيدا عن أي غلّو او تشدد او تطرف.
(٦)
يحل العيد ونقرأ فعل الإنتماء في ما قاله الاستاذ أيمن سماوي، مدير مهرجان جرش: "بالطبع فإن مناخات التسامح والآخاء والعيش الآمن والتعايش المشترك الذي يجمع الأردنيين إنما هو نتاج حكمة هاشمية وبُعد نظر القيادة الفذة وقراءتها العميقة للتاريخ والجغرافيا، وحرص الأردنيون على تكريس نموذج المحبة والاخاء والتسامح"..
(٧)
قبل عدة سنوات قررت الحكومات الأردنية تحديد يوم عيد الميلاد المجيد عطلة رسمية للدولة، وهذا أمر عكس مدى رسوخ حالة التقدير والاحترام للمواطنين الأردنيين من اصحاب الديانة المسيحية حيث تشكل هذه الديانة عنصرا رئيسيا من عناصر تاريخ واستقرار الدولة الأردنية وسكانها، واصبح منجزنا الوطني بالتأخي نموذجا يحتذى في محيط ملتهب يعيش حتى الان بعقلية وثنية وحروب طائفية تجرح الضمير..!
(٨)
نبتسم بعمق ونحن نقرأ هذه القصة وفقا لما كان قد رواه الأديب الكبير المرحوم روكس بن زائد العزيزي: انه وعندما ذهب الى الكرك مطلع شبابه للتدريس في إحدى مدارسها، وعندما دخل أحد الفصول المدرسية قال للطلبة: الطالب المسلم يقف، فوقف بعض الطلاب وطلب منهم الجلوس.. وأعاد السؤال: الطالب المسيحي يقف، فوقف بعض الطلبة، ولاحظ ان أحد الطلبة لم يقف مع المسيحيين ولا مع المسلمين!.. فسأله: أنت «مسلم» وإلا «مسيحي»، وفوجئ الأستاذ روكس بالطالب وهو يرد واثقا وباعتزاز قائلاً: «أنا كركي»!..