الهلال نيوز/ هذه القائمة جزء من سلسلة «على هامش الحرب: كتب عن فلسطين».
لا تكتمل أي محاولة تأريخ أو بحث في سير الفلسطينيين وقضيتهم ومقاومتهم دون الإضاءة بشكل خاص على الحركة الأسيرة. فأكثر من ثلث الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تعرض للاعتقال -ولو لمرة واحدة- داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي بين الأعوام 1967-2016، أي ما يُقارب نحو مليونيْ فلسطيني. وهذا قبل موجات الاعتقال الواسعة التي نشهدها الآن في الضفة والقطاع.
لكل هؤلاء سيرة في سجون الاحتلال هي جزء من القصة الفلسطينية الكاملة. لكن الأهم هو أن الحركة الأسيرة بشمولها قيادات تاريخية للمقاومة بمختلف فصائلها لم تكف يومًا عن لعب دور رئيس في مسار القضية الفلسطينية، بل ظلت دومًا جزءًا أساسيًا من توجيه المسار الفلسطيني ككل، انطلاقًا من شرعية مكتسبة في النضال.
في هذه القائمة كتب تضيء على تجربة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، وأخرى كتبوها أنفسهم من قلب السجون.
أسرى بلا حراب: المعتقلون الفلسطينيون والمعتقلات الإسرائيلية الأولى 1948-1949
مصطفى كبها ووديع عواودة
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2013
نُشر الكثير من الكتب حول تداعيات نكبة فلسطين العام 1948، مثل مجريات المعارك وتشريد أهل فلسطين، وجرائم العصابات الصهيونيّة، ومن ثم إعلان دولة «إسرائيل»، وأُغفلت بالمقارنة مع ما سبق قضيّة الأسرى الفلسطينيين والعرب في تلك الفترة؛ إذ لم يكتب فيها إلا بشكل هامشيّ أو على شكل شهادات فرديّة لبعض هؤلاء الأسرى.
يأتي هذا الكتاب الذي اعتمد على أرشيفات جيش الاحتلال الإسرائيليّ والصليب الأحمر، بالإضافة إلى عشرات المقابلات الشفوية مع من وجدوا أحياء من الأسرى في تلك الفترة، ليقدّم صورة شاملة لوضع الأسرى في تلك الفترة وارتباط قضيّتهم بمواضيع مهمّة مثل تشريد الفلسطينيين إلى دول الجوار، وعمليات التطهير العرقي والمجازر التي قام بها الجيش، بالإضافة إلى تأسيس الكثير من المؤسسات الإسرائيلية حينها.
خلال هجمات العصابات الصهيونية على المدن والقرى الفلسطينية العام 1948 كان يجري تشريد النساء والأطفال والشيوخ أولًا، ومن ثم اعتقال كل الرجال في القرية القادرين على حمل السلاح والتحقيق معهم ثم تصنيفهم: إطلاق سراح أو تصفية.
ثم صدرت تعليمات أخرى يجري فيها تصنيف الأسرى إلى «أسير حرب»، وهو الشخص الذي قام بأعمال مقاومة ضد المشروع الاستيطاني، أو «معتقل» وهو العربيّ الذي يُوحي سلوكه بأنه مشتبه به، لذا كثر عدد الأسرى ولم يكن هناك إمكانية إقامة معتقلات لهم بالإضافة إلى صعوبة توفير حراسة لهم؛ فجرى إجبارهم على العمل بالسخرة كعاملين في جني المحاصيل التي تركها أهلها والمشاركة في بناء الكثير من المنشآت بعد إعلان قيام «إسرائيل»، وبعد فترة ساومهم جيش الاحتلال: الحريّة مقابل الإبعاد إلى خارج فلسطين.
يحتوي الكتاب على فصول تناولت كيفية تعامل الصليب الأحمر مع هؤلاء الأسرى، والظروف التي كانوا معتقلين فيها، وتفاصيل تشييد المعتقلات الأولى. كما يضم الكتاب في الجزء الأخير منه نصّ المقابلات التي أجراها الباحثان مع المعتقلين، وجدولًا بأسماء ما يزيد عن خمسة آلاف أسير بين العامين 1948-1949 مع اعتراف الباحثان أن هناك آلاف أخرى لم يتسن لهما الوصول لهم.
صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب
وليد نمر دقة
الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2010
بخلاف فترة الحرب، لا يشبه القمع والتعذيب في السجون الإسرائيلية في بعض الأحيان حالات القمع والتعذيب التي تصفها أدبيات السجون في العالم من حرمان فعلي من الطعام أو الدواء أو وضعهم في زنازين قذرة تحت الأرض أو تكبيلهم بالسلاسل المشدودة إلى كتل حديدية طوال النهار. إنما هناك نوع آخر من التعذيب والقمع وهو ما تطرق له هذا الكتاب الذي ألّفه الأسير وليد دقّة، الذي ما يزال وضعه اليوم مجهولًا، وهو المشخص بمرض السرطان، والأسير منذ أكثر من 37 عامًا.
يصف دقّة في هذا الكتاب طرق التعذيب التي تأتي في عصر ما بعد الحداثة ويجري فيها استهداف الروح والعقل، وهو تعذيب كما يقول أشد وطأة «بحضاريّته» ويهدف إلى إعادة صياغة البشر عبر صهر الوعي. هذا الكتاب إذًا محاولة فكريّة لتفسير ما يعجز الأسير عن تفسير ما يجري له ذهنيًا لا كقضيّة حقوق إنسان، إنما كحالة سياسيّة.
لا يقف المؤلف عند مفهوم صهر الوعي داخل السجون إنما يربطها كذلك بحالة صهر وعي في المجتمع الفلسطيني والتي تقوم على إجباره على دفع ثمن مرتفع لفعل المقاومة مثل استخدام وسائل القوة المفرطة في ملاحقة وقتل المطاردين أو هدم بيئته التي يعيش فيها الأمر الذي يرفع من كلفة الفعل المقاوم على حاضنة المقاوم وبالتالي إعادة تشكيل وعي المجتمع الحاضن له.
يرتكز الكتاب على تفسيرات ميشيل فوكو لمفهوم السيطرة، ومفاهيم زيغمونت باومان، وعلم النفس مثل نتائج تجارب الدكتور دونالد أوين كاميرون على مرضاه، بالإضافة إلى أخبار صغيرة منشورة في الصحف الإسرائيلية يضفي عليها المؤلف تأويلات ودلالات ترتبط بفكرته.
لا تقتصر تفسيرات المؤلف على الإطار النظريّ التي يحاجج فيها إنما يستمّد كذلك مشاهداته لما يجري للأسرى داخل السجون من ظروف معيشية يومية وتعامل السجّان معهم والتغييرات التي حدثت على حراك الحركة الأسيرة، يقول دقّة: «لقد خصخصت إسرائيل النضال الجماعي للأسرى كما خصخصت المشروع الوطني الفلسطيني».
خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ
حسن عبد الرحمن سلامة
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2022
هذا الكتاب يحكي تفاصيل ما نظّر له وليد دقّة في كتابه، بما يرويه من تفاصيل مرحلة واحدة من السجون وهي مرحلة العزل الانفرادي الذي يخضع لها بعض الأسرى.
مؤلف الكتاب الأسير حسن سلامة الذي ينتمي لحركة حماس والمحكوم بـ48 مؤبدًا، قضى منها 27 عامًا في السجن، منها خمسة آلاف يوم في العزل الانفرادي.
يصف سلامة في هذا الكتاب الذي جاء على شكل يوميات تفاصيل ما يُعانيه داخل هذه السجون من الناحية النفسيّة بشكل أكبر من الناحية الجسدية وإن كان الجانب الأخير حاضرًا في الكتاب. فمثلًا يتناول كيف تسعى إدارة السجون إلى تحطيم قادة الحركة الأسيرة؛ نواة وعي الأسرى، أو خلق النزاعات بين الأسرى مثل تعمّد وضع الأسرى مع معتقلين إسرائيليين وعرب محكومين بقضايا جنائيّة مثل مهربي المخدرات داخل غرفة واحدة.
تقدّم هذه اليوميّات معلومات مهمّة عن سجون الاحتلال الإسرائيلي مثل وجود محققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي حققوا مع سلامة نفسه بحجة أن العمليات التي نفذها أدت لمقتل أمريكيين، أو أن يروي فيه تفاصيل مقابلته مع الأسير الدكتور ضرار أبو سيسي الذي خطفه الموساد من أوكرانيا.
في الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب يقدّم سلامة تفاصيل ما يجرى للأسرى في الحادثة الأبرز في تاريخ الأسرى في السجون الإسرائيلية في السنوات الأخيرة وهي فترة المفاوضات بين حركة حماس والاحتلال على صفقة الوفاء للأحرار، راصدًا الحرب النفسية التي شنتها إدارة السجون على الأسرى من حركة حماس ممن لم تشملهم صفقة التبادل وكيف حاولت التأثير على علاقة هؤلاء الأسرى بتنظيمهم في الخارج.
على طول صفحات هذه اليوميات سيجد القارئ آليات مقاومة الحركة الأسيرة لإدارة السجون، مثل تنفيذ الإضرابات عن الطعام وكيف يجري التنسيق بين أسرى الفصائل الأخرى في تحديد موعد الإضراب والأهداف السياسية أو المطلبيّة له. ومع ذلك بعد الانتهاء من الكتاب سيكون القارئ لهذه اليوميات قد تعرّف على كيف تحاول إدارة السجون دفع هؤلاء الأسرى في المعازل الانفرادية إلى الجنون.
الجوانب الإبداعية في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة
رأفت حمدونة
وزارة الإعلام الفلسطينية، رام الله، 2018
بسبب العدد الكبير من الأسرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذين اعتقلوا نتيجة ممارسة عمل سياسيّ أو عسكري ضد المحتلّ، وبسبب أن الكثير منهم محكوم بفترات سجن طويلة، صيغت داخل السجون حالة من التنظيم بين الأسرى على مدى سنوات طويلة بهدف تحقيق مكاسب مطلبيّة للأسرى داخل السجون، ومطالب سياسيّة تهدف إلى مواصلة الفعل المقاوم حتى من داخل السجن، حتّى صار هناك ما هو أشبه بما يكون بدولةٍ صغيرة داخل السجون جرى فيها صياغة أعراف وقوانين وانتخابات وهيكلية تدير شؤون الأسرى، امتدّ أثرها ليس داخل السجون وحسب إنما كذلك داخل المجتمع الفلسطيني.
يبحث هذا الكتاب، في المراحل التي مرّت بها الحركة الأسيرة حتّى وصلت إلى هذا الشكل من التنظيم، منذ المرحلة الأولى التي منع فيها الأسرى حتّى من الجلوس مع بعضهم، واستخدموا كعمّال بالسخرة لدى مؤسسة جيش الاحتلال، إلى مرحلة خوض الإضرابات عن الطعام مثل إضرابيْ سجن نفحة 1980، والجنيد 1984، والاحتجاجات مثل إحراق محتويات الزنازين من أجل تحسين حياتهم داخل المعتقلات، مثل إدخال التلفاز والراديو والكتب والملابس وتحسين وجبات الطعام، حتى الوصول إلى مرحلة متقدمة من التنظيم الذي وصل إلى التنسيق فيما بينهم ليس في السجن الواحد وحسب وإنما كذلك داخل كافة السجون، والتي انتهت إلى صياغة معادلة مع إدارة السجون يصعب بسببها على المحتل التعدى على حقوق الأسير دون أن يدفع الثمن في المجال المطلبيّ داخل السجون. ولم يقتصر ذلك في المسألة المطلبيّة وحسب، بل وصلت قيادات الحركة الأسيرة إلى المشاركة في الحياة السياسيّة الفلسطينية في الخارج، وتمثّل ذلك في صياغة وثيقة الأسرى التي طرحت لإنهاء الانقسام الفلسطيني والتي ستعرف لاحقًا باسم «وثيقة الوفاق الوطني» عام 2006.
هموم الحركة الأسيرة في ظلّ السلام
قدورة فارس، راضي الجراعي، عيسى قراقع، عوني المشني، أحمد الصيّاد
وزارة الإعلام الفلسطينية، رام الله، 1995
يتناول الكتاب واقع الأسرى الفلسطينيين فترة التفاوض ومن ثم التوقيع على بنود اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي وهو مخرجات ندوة شارك فيها مجموعة أسرى فلسطينيين كانوا في الأسر في تلك الفترة.
«كان الاعتقاد السائد [لدى الأسرى] أن موضوع المعتقلين احتلّ أولويةً وهامشًا واسعًا في الاتفاق، وانتظرت الحركة الأسيرة النصّ الحرفي للاتفاق ليتم التأكد من موقع قصّتها في إطار الاتفاق، وكانت المفاجأة الصدمة أن الاتفاق لم يتضمن أيّ إشارة لا من قريب ولا من بعيد لموضوع الأسرى». بهذه الجمل يصف الأسير في تلك الفترة، ورئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية الرسميّة هذه الأيّام، قدورة فارس، حال الأسرى الفلسطينيين فترة المفاوضات ومن ثم التوقيع على اتفاقية أوسلو.
بعد مناقشات مطوّلة، وتحت وطأة خيبة الأمل هذه، اتخذت قيادة الحركة الأسيرة القرار بالتنسيق فيما بينها من أجل تفجير قضيّتهم داخل السجون وخارجها بالتعاون مع نادي الأسير الفلسطيني عبر مجموعة من الفعاليات الشعبية في الشارع الفلسطيني إلى الحد الذي أحرج السلطة الفلسطينية.
يتناول الكتاب بعدها كيف دفع هذا التحرّك السلطة الفلسطينية إلى وضع قضيّة الأسرى على طاولة المفاوضات التي أعقبت اتفاق أوسلو، مثل مفاوضات القاهرة، لكن دون أن يكون هناك حل لقضيتهم وكيف ناشد أحد المفاوضين خلال المفاوضات الحركةَ الأسيرة بالكف عن ممارسة الضغط بحجّة أن «إسرائيل» اتخذت من موضوعهم وسيلة للابتزاز في قضايا جوهريّة أخرى.
تكمن أهمية الكتاب في أنه وثّق لمجريات قضيّة الأسرى في فترة المفاوضات والشروط التي وضعتها «إسرائيل» للإفراج عنهم مثل إكمال محكوميتهم لدى السلطة أو الإبعاد إلى مناطق بعيدة عن سكناهم مثل غزّة وأريحا أو اشتراط توقيعهم على وثيقة يؤيدون فيها السلام، وتوثيقه كذلك عدد من فضّل البقاء في الأسر على الإفراج المشروط بالتوقيع على هذه الوثيقة وهم 1200 أسير فلسطيني.