إنه الزمن الجميل، والذكريات الخالدة، إذ نتصفح كتاب الدكتور الطبيب موفق خزنة كاتبي «محطة عمان – في الأربعينيات من القرن العشرين كما عشتها وعرفتها».. صفحات جميلة عن بدايات الرياضة في الأردن، يخطها الدكتور كاتبي المولود في عمان عام 1931 وقد عاش طفولته في منطقة حي المحطة في عمان، حتى كبر وكبرت معه ذكريات هذا المكان، الذي كتب عنه كتابا خاصا ومؤثرا، فيه الحنين الجارف الى الماضي الجميل والبسيط والأليف حيث إنه كتب عن أشياء عديدة : محطة عمان وسكة الحديد والقطارات والمعسكر والسوق والسجن والسيل والمساجد والمدارس والكنائس والماء والإنارة والهاتف والوقود والبيوت والناس والجيران والأصدقاء والأعياد والملابس والزواج والباصات والاحتفالات والإذاعات والأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الأربعينيات..
يقول الطبيب موفق خزنة كاتبي: .. والحق يقال وأنا أتكلم عن النادي الفيصلي الذي كنت منتسباً إليه من الصف السادس الابتدائي الى نهاية الدراسة الثانوية 1949 - 1943 حيث ذهبت بعد ذلك لدراسة الطب في دمشق وكان رقم انتسابي للنادي الفيصلي 33 وكنت أدفع الاشتراك الشهري وهو عبارة عن عشرة قروش الى السيد زهدي عصفور، صاحب محل تجاري في شارع السعادة، وكنت أمشي بزهو وأنا في طريقي إلى البيت وإلى الملعب وأنتعل البوط الأسود ذا الأصابع المقرضة في أسفله كي لا ينزلق اثناء اللعب في الميدان.
الحق يقال إن قادة الفريق واللاعبين الكبار بالفيصلي كانوا على خلق كريم وأدب جم، فخلال تلك السنوات لم أسمع أحداً يتكلم بكلمة نابية أو يسب أبا أحد أو يتفوه بكلمة خارجة عن نطاق الأدب، وكانوا يدعموننا نحن الصغار، إذ كنا ننظر إليهم على أنهم أعمدة شاهقة في لعبة كرة القدم، وأتذكر أن أشهر لاعبي النادي الفيصلي في تلك الفترة يوسف مامو وكان أشهر حارس مرمى وأخوه سليمان كان أشهر لاعبي الهجوم، واشتهر عبدربه أبو جسار على أنه أفضل من سدد هدفاً مهماً كان بعده عن المرمى، وكان أحمد يعقوب حجاجا أشهر دفاع بين لاعبي الأردن، ورغم أنه كان شركسياً فقد كان منتسباً إلى النادي الفيصلي، ومن متابعتي الدائمة لمباريات كأس العالم لم أر من وصل إلى إتقان تلك اللعبة كهذين الشابين، وكان اثنان من أهل الطفيلة من أشهر لاعبي الأجنحة وهما: يوسف مثقال الطفيلي وكان عاملاً بسيطاً، ومحمد سالم إربيحات، وكان رقيباً في الجيش، أما كمال الجقة فكان يلعب في عدة مواقع، وكان كل من: محمد الصمادي «أبو زهير»، وسليم عوض القريوتي أبو مشهور ورشاد المفتي، إضافة إلى شاب آخر هو جمال أبوعزام، الذي مات مبكراً، فهؤلاء كانوا من أعمدة إدارة النادي، ومن خيرة اللاعبين، عدا عن متابعتهم للتمارين بإستمرار.
وكانت التمارين تجري يومياً تقريباً ما عدا أيام العطل، وكنا نحن الصغار نكوّن لأنفسنا ملعباً صغيرا خلف خشبة المرمى الشرقية، حيث نشكل فريقين متنافسين، وكان مرمى الهدف عندنا حجرين كبيرين في كل جهة، ويحدث أن ينقص عدد اللاعبين الكبار فيستدعوا أحدنا ليكمل العدد المطلوب، وهو أحد عشر لكل فريق، وتكون الحماسة على أشدها عندما تكون المباراة بين فريقي النادي الفيصلي والنادي الأهلي والذي جميع لاعبيه من الشركس، حيث كان يذهب إلى منطقة المحطة كل شراكسة عمان تقريباً رجالاً ونساء يتحلقون ويشجعون.
ويقول د. موفق: وفي جميع المباريات التي حضرتها قبل ذهابي للدراسة بالجامعة في سوريا كان الفوز للنادي الفيصلي، إذ لم يكن للأهلي حظ بالانتصار.. ولم تكن النساء العربيات يأتين الى المباريات في ذلك الوقت إلا القريبات المقربات من أحد اللاعبين، أما «الشركسيات» فكن يعُدن باكيات إذا لم ينتصر فريق الأهلي، ولا بد هنا من لمحة من نوادي كرة القدم في ذلك الوقت، فقد كان في عمان أربعة نواد هي: الفيصلي ، الأردن، الأهلي، الهومنتمن، وفي نهاية الأربعينيات تجمع عدد من الشباب، وشكلوا نادي الشباب الرياضي، وانشق مجموعة من الشباب عن نواديهم، وشكلوا نادي الجزيرة الرياضي، وكان النادي الفيصلي أشهر النوادي وكان الفائز بالكأس في أكثر السنين.