الهلال نيوز/ في اليوم الـ 61 من الحرب، قرأتُ خبر مقتل بنات خالتي فاطمة الثلاث: إيمان ودعاء ونور، في قصف منزل مجاور لمنزل العائلة في مخيم جباليا. لم نتمكن من الاتصال بخالتي لمواساتها والاطمئنان عليها والسؤال عن حالتها الصحية إثر إصابتها بجروح مختلفة. وحتى اللحظة، لا نعلم شيئاً عن أحوالها، فالاتصالات مقطوعة ونتابع أخبار مخيم جباليا بقلق كبير في ظل المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، وتدمير المخيم، والانتقام من أهله.
يمارس الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا وشمال غزة تدمير الحياة بشكل ممنهج، عبر قصف المربعات السكنية وقتل الآلاف من الناس الأبرياء، وعزل الشمال عن الوسط، والشمال والوسط عن الجنوب. وُضع الفلسطينيون في كانتونات بشرية، في ظل محاولة القضاء على ما تبقى من حياة، ومشاهد إذلال المعتقلين الفلسطينيين وإهانتهم بتصويرهم عراة وراكعين، وتعمّد بث تلك المشاهد في إطار الحرب النفسية وكيّ وعي الفلسطينيين.
ما زال الفلسطينيون في قطاع غزة يعيشون الصدمة والألم والغضب مما فعلته إسرائيل، والخوف من سياسة دولة الاحتلال بتهجيرهم ودفعهم تحت ضغط القتل والدمار نحو الحدود مع مصر، بخاصة بعد الهجوم الهمجي البري للجيش الإسرائيلي في خان يونس وتهجير مئات الآلاف منه، وقتل وإصابة أكثر من 60 ألف شخص، وتدمير أكثر من نصف المباني والبنى التحتية. حالة عدم تصديق ما يجري معهم وحرب الإبادة والتهجير والنزوح القسري تسيطر على عقول الفلسطينيين، وهم ينزحون من حي الى حي ومن مدينة إلى مدينة، في مقابل تواطؤ العالم وصمته تجاه ما يتعرضون له، من دون أي إحساس أو مشاعر إنسانية، فيما بدأت تظاهرات التضامن والإدانة تخفت، وقرارات حكام العالم الغربي (الحر) على حالها، العالم نفسه الذي يبشر بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي اعتقد الفلسطينيون أنهم جزء منه في مشوارهم الطويل ونضالهم في سبيل الحرية وتقرير المصير.
اتهامات لـ "الأونروا” بإذلال الفلسطينيين
بلغ عدد القتلى الفلسطينيين حتى الساعة حوالى 17490، منهم 7870 طفلاً و6121 امرأة، بينما وصل عدد المفقودين إلى 7780.
الاتهامات توجَّه الى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا” بأنها تمارس دوراً غامضاً في إذلال الناس وإهانتهم عبر توقّفها عن توزيع الدقيق في بعض الأماكن.
قد لا تمتلك الأونروا الأدوات للقيام بدورها كاملاً في ظل استهداف الاحتلال لموظفيها والتهديد المستمر لها. لكن هناك مسؤوليات تقع على عاتقها، وكان عليها إشراك المجتمع المحلي في التنظيم والمساعدة في توزيع المساعدات القليلة، إذ إن مشاهد الناس في انتظار دورهم لاستلام الطحين مهينة، فهم يضطرون للانتظار في طوابير طويلة لساعات، لاستلام هذا المكوّن الأساسي والوحيد لسدّ جوعهم والبقاء على قيد الحياة، ولا يتمكّن كثر منهم من الحصول على حصتهم منه، ما يضطرهم للانتظار لأيام.
لا يتوقف دور الأونروا على إغاثة وتشغيل اللاجئين، بل يشمل أيضاً حماية اللاجئين. وحتى الآن، هي تقف عاجزة عن القيام بأي من أدوارها، ولم تتخذ خطوات تُشعر الناس بأنها تساعدهم، في ظل المشاهد المرعبة لنزوح الفلسطينيين الذين هربوا إلى رفح. فيما لم يعد هناك مكان إلا ونُصبت فيه الخيام، سيارات وعربات تجّرها الحيوانات تحمل أمتعة وفرشات. يدور الناس حول أنفسهم ويبحثون عن أماكن للنزوح والمبيت، في ظل تهديد الاحتلال الإسرائيلي الهمجي بارتكاب المزيد من المجازر في حرب الإبادة والتهجير.
الإجرام والانتقام المصحوبان بالغضب والغباء الإسرائيلي، منحا الفلسطيني مناعة وقوة على الصبر والصمود، لكن الى متى سيبقى الوضع المرعب هذا على حاله؟.