رمقته من بعيد يحاول أن يفتح الكيس وهو ينتقي الخضار ولا يستطيع لأن نوعيه هذه الأكياس رديئة ولا يسهل فتحها حاول مراراً ومراراً ولكن يداه المرتجفتان لم تفلحا في إنجاز المطلوب، لقد كان مسناً تجاوز الثمانين حسب اعتقادي ترتسم على محياه ابتسامه جميله وتستطيع قراءة الماضي الصعب كله في اخاديد خدّه الخشن، التقينا في محل الخضار الذي أتسوق منه عادة، وتحديداً عند –بسطة- البندورة، سارعت نحوه وأمسكت أحد الأكياس وقمت بفتحه وناولته إياه وقلت: صارلي نص ساعة بحاول أفتح فيه، نوعيه الأكياس هنا رديئة جداً، تناول مني الكيس وابتسم وقال: فعلاً وأنا لي عدة دقائق أحاول ذلك، شكراً يا ولدي، ابتعدت عنه بكل هدوء وأكملت تسوقي وأنا أتابع خطواته البطيئة والتي كان يرتكز بها على العربة التي يجرها أمامه أو هي التي كانت تجرّه خلفهاّ.
ولاحظت أنه توقف مره اخرى أمام – بسطة- التفاح وعاد للمحاولة مرة أخرى لفتح الكيس الذي تمنّع عليه أيضاً، فتناولت كيساً وفتحته وذهبت مسرعاً نحوه وقلت له، حج هاي آخر مرّه.. ضحك كثيراً وقال: خلص ما بعيدها.. وابتعدت لأكمل تسوقي مرة أخرى ولكني لم أستطع الابتعاد كثيراً بل جعلت أراقبه عن بعد إلى أن أنهى انتقاء التفاح بعناية وراقبته إلى أن وصل –بسطة- البطاطا، وقبل أن يخوض مغامرة فتح الكيس ذهبت نحوه وناولته كيساً كنت قد أعددته له فابتسم واحتضنني وقال لي: غلبتك كثير يا إبني، فقلت له : أنت أكم غرض بدك تشتري، فقال : والله لا أدري ربما خمس أغراض فتناولت خمس أكياس وفتحتها له وأعطيته إياها وقلت: أنا بالجوار... إن احتجت كيساً آخر.. احتضنني مره أخرى وغادرته مكملاً تسوقي والسعادة تغمرني..
ذهبت نحو الصندوق لأدفع ثمن البضائع فوجدت أحدهم يبتسم في وجهي ويقول: شكراً لك، لقد علمتني درساً في الحياة، ابتسمت وقلت: اشكرك... ذهبت إلى سيارتي ولا أدري لماذا كنت أشعر بالكثير من الفرح والسعادة والانتعاش..