"كانت تتأهب لأن يكون عام 2024 عام مشاركتها في البطولات الدولية في رياضة "الكاراتيه"، بعد أن نجحت في السنوات الماضية في حصد عدد من البطولات المحلية"، يقول المدرب حسن الراعي متذكراً الرياضية الفلسطينية نغم أبو سمرة (26 عاماً).
لكن حرب الإبادة الإسرائيلية قتلت هذا العام وآماله لدى نغم، وحرمتها من الحلم الذي ربما شكّل مركزاً لحياتها، بعدما أصيبت بإصابة خطيرة إثر غارة جوية استهدفت منزل عائلتها وسط قطاع غزة بداية عام 2024، لتدخل في غيبوبة ثم تفقد الحياة بعد نحو شهر.
"كانت من بطلات فلسطين الشغوفات الطموحات بالسفر للخارج والمحبات جداً للرياضة"، يقول الراعي لرصيف22.
لكن وسط المذبحة، قد يصير الرياضي رقماً كغيره من الأرقام، ويُطوى معه تاريخه الشخصي الذي يرسم رفقة تواريخ شخصية أخرى مشهداً كاملاً من قطاع حاول أن يزدهر ويحضر رغم الحصار المستمر.
400 رياضي فلسطيني فقدوا أرواحهم منذ بدء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة
وبحسب تقديرات اللجنة الأولمبية الفلسطينية، فإن 400 رياضي فلسطيني فقدوا أرواحهم منذ بدء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
ولا تنحصر الانتهاكات الإسرائيلية بحق الرياضة الفلسطينية، في قتل اللاعبين والتسبب لهم بإعاقات دائمة تنزع عنهم الحق في ممارسة الرياضة. بل يضاف إلى ذلك حرمان الفرق والأفراد من المشاركات الدولية، وتدمير الملاعب والمنشآت وتحويلها إلى مقابر أو مراكز إيواء.
شهداء الحركة الرياضية
كان اللاعب محمد الصليبي من أبرز نجوم نادي أهلي النصيرات وسط قطاع غزة. استشهد هو وشقيقه في قصف إسرائيلي استهدف تجمعاً للمواطنين في محافظة خان يونس جنوب القطاع يوم 9 أغسطس/ آب 2024.
يقول محمد النويري، أحد أصدقاء اللاعب، الذي يصفه المقربون بـ"فنان كرة القدم" لرصيف22: "كان محمد يتمتع بقبول واسع بين الرياضيين وأصدقائه وأهالي مخيم النصيرات. كل من يعرفه كان يحبه".
ويتابع: "أحلامه كانت كثيرة جداً. كان يحب تطوير أدائه دائماً ليكون من أفضل اللاعبين الفلسطينيين. كما كان يحلم بالالتحاق بمنتخب البلاد لتمثيلها بالمحافل الدولية".
كذلك، فقدت الرياضة الفلسطينية خلال حرب الإبادة المستمرة، الرياضي رأفت حمد (مواليد عام 1978)، الذي اعتُبر من أبرز لاعبي منطقة وسط القطاع.
هيّا، انضمّ/ ي إلى ناس رصيف!
بدأ حياته الرياضية في الساحات الشعبية، ولعب في دوريات المساجد والحارات والبطولات الرمضانية وفي الفرق المدرسية. وكان عاشقاً لكرة القدم شغوفاً بتسديد الأهداف وتحقيق البطولات، بحسب ما يقوله منذر حسن، أحد رفاقه القدامى، لرصيف22.
كان "نادي خدمات النصيرات" أول المحافل الرياضية التي التحق بها حمد. ثم انضم لفريق "شباب أهلي النصيرات"، واشتهر بتسديد العديد من الأهداف خلال البطولات المحلية.
في عام 1999، تمكن من الصعود برفقة ناديه إلى "الدرجة الممتازة" وهي الدرجة التي تلعب فيها أهم وأقوى الفرق في قطاع غزة.
قتلت حمد غارة إسرائيلية نفذتها الطائرات قرب مدخل مخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة في الأول من آب/ أغسطس 2024.
الشقيقتان الطفلتان يمان وجمان حسنين من حي الشجاعية الواقع شرق مدينة غزة كانتا أيضاً في عداد شهداء الحركة الرياضية الفلسطينية خلال الحرب على غزة. فقدنا حياتهما في قصف إسرائيلي استهدفهما مع أسرتهما في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وغاب حلمهما بالمشاركة في بطولة فلسطين لـ"الكاراتيه".
إصابات الحرب تنهي مستقبلهم الرياضي
رغم صغر سنها، فقد مارست عائدة البياري (20 عاماً) رياضات مختلفة، حتى احترفت "الكاراتيه". ولم تبتعد كثيراً في دراستها الجامعية عن الرياضة، حين اختارت أن تدرس موضوع العلاج الطبيعي.
أصيبت عائدة خلال الحرب إصابة خطرة بالفخذ، جراء قصف إسرائيلي في كانون الثاني/ يناير 2024. ولا تزال تعاني منها إلى اليوم. ويتوقع أن تحرم من ممارسة الرياضة مدى الحياة.
"حصلت عائدة على كثير من الألقاب في عمرها الرياضي القصير، وخساراتها في ساحات اللعب والتدريب وفي البطولات أمر ليس سهلاً"، يقول الراعي.
ويشير إلى أن الكثير من الرياضيين انتهى بهم الحال خارج أسوار الملاعب وساحات التدريب بسبب الحرب والإصابات الخطيرة التي لحقت بهم، مبيناً أن "كل شيء يمكن تعويضه إلا العنصر البشري".
أما محمود الكفارنة (27 عاماً)، لاعب "كرة الطائرة" في نوادي بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، فقد خسر قدمه خلال الحرب، بعدما أصيب في أحد مراكز النزوح في كانون الأول/ ديسمبر 2023.
"صعب جداً على إنسان رياضي اعتاد الحركة واللعب بشكل يومي أن يصير مقعداً ولا يتمكن من التنقل"، يقول محمود لرصيف22.
ويوضح أنه ورث حب "كرة الطائرة" عن والده وجده. ولم يكن يتخيل أن يصير يوماً غير قادر على ممارستها.
"دموع الحسرة لا تفارق عينيّ كلما شاهدت مجموعة شبان في مراكز النزوح يمارسون رياضتي المفضلة ولا أستطيع مشاركتهم"، يضيف محمود.
استهداف المنشآت الرياضية
تعمدت إسرائيل خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة استهداف المنشآت الرياضية، فدمرت وأخرجت عن الخدمة العشرات منها.
وكان من أبرز المرافق التي استهدفت، "ملعب اليرموك" وسط مدينة غزة. وهو يحمل رمزية كبيرة لاستضافته المباريات والأحداث المهمة منذ عشرات السنوات.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حوّل الجيش الإسرائيلي الملعب إلى مركز اعتقال واحتجز فيه عشرات الفلسطينيين وقام بتعذيبهم.
ماهر الشوبكي (27 عاماً)، اللاعب في أحد النوادي المحلية بمدينة غزة، كان يرتاد الملعب قبل الحرب لممارسة كرة القدم.
"اعتقلت برفقة عشرات الشبان والرجال في ملعب اليرموك الذي كانت تسيطر عليه قوات الاحتلال. قاموا بتعذيبي قبل أن يفرجوا عني بعد أربعة أيام"، يقول ماهر.
ويوضح أنه لم يكن يتخيل في حياته أن تتحول "منشأة رياضية مدنية" محمية بالقانون الدولي إلى معتقل، ويتم تدميرها بشكل شبه كامل من دون أي مبرر.
وتأسس ملعب اليرموك عام 1938، وفق الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، وتم تجهيزه وتطويره أكثر من مرة حسب المواصفات الدولية.
كما شهدت أرضه الكثير من الاحتفالات الوطنية الكبيرة، إذ يتسع لنحو ثمانية آلاف مقعد ويحتوى على مساحات واسعة أخرى.
وكان "نادي خدمات جباليا" الواقع في شمال قطاع غزة، من المنشآت الرياضية التي استهدفها الجيش الإسرائيلي، فدمر مرافقها خلال اجتياحه لمخيم جباليا في أيار/ مايو الماضي.
يؤكد صائب أحمد (33 عاماً)، أحد رواد النادي واللاعبين في فرق "كرة الطائرة" التابعة له، أن نادي خدمات جباليا كان منارة رياضية يرتادها جميع أهالي المخيم. وعلى مدار سنوات خرّج لاعبين في جميع المجالات.
"إن تدميره بهذه الصورة هو استهداف ممنهج للرياضة الفلسطينية من قبل الاحتلال"، يقول صائب.
مساع لتوثيق الإبادة الرياضية
يعمل الإعلامي الرياضي ياسر الحواجري بجهود ذاتية وبإمكانات بسيطة، على توثيق الأضرار التي تلحق بالرياضة الفلسطينية في قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة على غزة.
وهو يسعى من وراء ذلك إلى "فضح ممارسات إسرائيل بحق الرياضة الفلسطينية، وتعريتها أمام العالم، وكشف دورها في تدمير المنشآت المدنية وقتل الرياضيين الأبرياء"، كما يقول لرصيف22.
الحواجري، الذي يأمل أن تتم مقاضاة "مجرمي الحرب الإسرائيليين يوماً ما"، حسب تعبيره، وثق حتى اليوم 175 قصة لشهداء المشهد الرياضي الفلسطيني الذين قضوا في هذه الحرب، معتمداً على المعلومات التي توفرها العائلة وزملاء رياضيون.
وأوضح أن كل قصة لشهيد رياضي تضم بالحد الأدنى اسمه الرباعي وكنيته الأصلية وبلدته الأصلية وشهادته العملية وتاريخ ومكان ميلاده واستشهاده، إضافة إلى أبرز محطات حياته الرياضية.
دموع الحسرة لا تفارق عينيّ كلما شاهدت مجموعة شبان في مراكز النزوح يمارسون رياضتي المفضلة ولا أستطيع مشاركتهم
كما وثّق الحواجري خلال عمله تضرر الكثير من النوادي في قطاع غزة. "وأبرزها، أهلي النصيرات وشباب خان يونس والصداقة وخدمات البريج وأغلب نوادي المنطقة الشمالية"، يقول الحواجري.
بالإضافة إلى الملاعب المتضررة جراء الاستهدافات الإسرائيلية، منها ملعب فلسطين واليرموك وبيت لاهيا وبيت حانون والتفاح وخان يونس. مبيناً أنه تم تدمير الملاعب الحديثة والقديمة، والتي استغرق بناؤها سنوات.
ويسعى الإعلامي الرياضي الذي يشغل مناصب في أندية متعددة في قطاع غزة، لجمع ما وثقه من انتهاكات بحق الرياضة الفلسطينية في كتاب، "حتى يكون فاضحاً للاحتلال أمام العالم"، حسب تعبيره.
ومن الخطوات التي اتخذتها فلسطين، دولياً، رداً على انتهاكات إسرائيل بحق الرياضة الفلسطينية، مطالبة اللجنة الأولمبية على لسان رئيسها جبريل الرجوب، بتعليق عضوية الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم في "الفيفا" بشكل عاجل. لكن هذه المطالبة ظلت من دون استجابة حتى اللحظة.