الهلال نيوز/ كان فاروق لمبز في الحادية والعشرين من عمره حين شارك في أول معرض جماعي هام، هو «معرض الخريف الكبير» الذي أقامته ندوة الرسم والنحت الأردنية في تشرين الأول 1963 في قاعة أمانة العاصمة وسط عمان. حينذاك كان قد أنهى دراسته الثانوية في العام السابق، والتحق مثل مئات الأردنيين من جيله، بكلية الحقوق في جامعة دمشق عن طريق الانتساب، وكان هذا هو حال الكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى الأردنية الذين جمعوا بين الدراسة والعمل في آن واحد.[1]
في النبذة التي عرّف بها نفسه في كتالوج «معرض الخريف الكبير»، وصف لمبز أسلوبه «بالكلاسيكي الذي يمتزج أحيانًا بالأساليب الحديثة»، وأضاف أنه درس الفن بنفسه. وحينها شارك بخمس لوحات حملت عناوين: جرش، قبة الصخرة، في القدس، مختار القرية، فادية.[2] والواقع أن فاروق لمبز (1942 – 2021) كان من القلة من أبناء جيله الذين بدأوا بممارسة الفن كهواية، وتمكنوا لاحقًا من احتراف الرسم، وتكريس أنفسهم كعلامات بارزة في مسار التشكيل الأردني المعاصر خلال العقود الستة الأخيرة.
غيّب الموت فاروق لمبز في 12 كانون الأول 2021، تحت تأثير إصابته بفيروس كورونا، تاركًا وراءه إرثًا واسعًا من الأعمال التي عرفت بأسلوبه الانطباعي لردح طويل من الزمن، قبل أن يتحول إلى فنان حروفي، في العقد الأخير من حياته، ربما تحت تأثير تحولات فكرية وروحية استحوذت على نظرته الى الحياة، ومن ثم على طريقته في الرسم، بل على طريقته في «تصنيع» لوحته الحروفية.
الحفاظ على جذوة الفن
ولد لمبز في عمان، في 30 حزيران سنة 1942، لأسرة من أصل شركسي مكونة من أبوين وسبعة أبناء وبنات، فكان ترتيب فاروق الرابع بين أخوته. أما والده، توفيق موسى لمبز، فقد كان عسكريًا التحق منذ شبابه بالجيش الأردني. درس فاروق في مدارس العاصمة وأتم الثانوية العامة في مدرسة رغدان الثانوية في جبل الحسين، وهي إحدى ثانويتين رئيسيتين في عمان حينذاك، والتحق بعدها مباشرة بجامعة دمشق، حيث تخرج منها حاملًا درجة الليسانس في الحقوق.
برزت مهارات لمبز في الرسم مبكرًا، ويروي كيف تنبهت أخته الكبرى، أميرة، إلى موهبته الفنية، فأخذت تشتري له الألوان المائية وفراشي الرسم لتشجيعه. كما حظي بانتباه إدارات المدارس التي ارتادها في طفولته، وأثناء دراسته في مدرسة رغدان الثانوية جراء تفوقه بالرسم.[3]
لكن رغم شغفه بالرسم إلا أنه لم يفكر بدراسة الفن، ليس فقط لأنه لم تكن هناك كلية للفنون في الأردن، وإنما أيضًا لأن الالتحاق بدراسة الفنون في جامعة عربية أو أجنبية لم يكن خيارًا ممكنًا بالمعنى الاجتماعي حينذاك. وبدلًا من ذلك كاد أن يتقدم بطلب للالتحاق بسلاح الجو الملكي، بعد تخرجه من المرحلة الثانوية، لكنه تلقى نصيحة نادرة من أحد أصدقائه بعدم الإقدام على ذلك حفاظًا على جذوة الفن داخله، وظل فاروق ممتنًا لصديقه على نصيحته تلك.[4]
تنقل فناننا أثناء دراسته للحقوق بالمراسلة في جامعة دمشق بين عدة وظائف: من محاسب في أحد البنوك إلى مصمم في مكتب إعلانات تجارية، حتى لاحت له فرصة العمل كمصمم إعلانات في الخطوط الجوية الملكية الأردنية «عالية»، وهي المؤسسة التي قضى فيها الشطر الأكبر من حياته المهنية، أي نحو خمس وثلاثين عامًا.
هنا لا يخفي الفنان لمبز أن فترة عمله كمصمم منذ مقتبل عمره في عالية كانت أغنى فترات حياته، حيث عمل في حقل لصيق بالفن التشكيلي، كما أتاح له عمله هذا فرصة السفر في أنحاء مختلفة من العالم، وزيارة المتاحف والمعارض الفنية في المدن والعواصم الكبرى، وهو ما مكنه من رؤية أعمال كبار الفنانين العالميين مباشرة، ومن إغناء ثروته البصرية وثقافته الفنية.[5]
انتقل لمبز خلال خدمته في الملكية الأردنية بين عدة وظائف، من بينها عمله مديرًا تنفيذيًا لغاليري عالية بين عامي 1982 و1996 [ويذكر هنا أن غاليري عالية ظل حتى مطلع التسعينيات الغاليري الوحيد المتاح لعرض الأعمال الفنية]، وشغل أيضًا منصب المدير التنفيذي للترويج والإنتاج الفني في الملكية الأردنية، وذلك حتى عام 2002، وخلال السنوات الأربع اللاحقة، عمل مستشارًا لشؤون الترويج والإنتاج الفني في الملكية الأردنية ليستقيل بعدها من عمله الطويل فيها.
لم يتوقف فاروق لمبز عن محاولة تطوير تجربته الفنية عن طريق الدراسة الأكاديمية، فالتحق بمعهد الفنون الذي أسسه وأداره الفنان الراحل مهنا الدرة،[6] لكن المعهد لم يلبث أن توقف عن العمل، ورغم محاولاته للبحث عن معاهد ومدارس أخرى لاكتساب مهارات جديدة، إلا أن هذه المحاولات أخفقت، ولم يجد بديلًا عن مواصلة الاعتماد على نفسه في صقل مهاراته الفنية. وهو الأمر الذي قاده إلى البحث عن أسلوبه الخاص، وإلى التعرف على تقنيات جديدة في إنتاج لوحته الفنية.
بالتوازي مع عمله في مجال التصميم شارك لمبز في عشرات المعارض الجماعية داخل الأردن وخارجه. أما معارضه الشخصية، والتي يعود أولها إلى عام 1969، فقد تجاوز عددها الستة عشر معرضًا، كان آخرها في جاليري بنك القاهرة عمان، في 2020. وتوزعت أعماله المقتناة على العديد من المجموعات الفنية التي تعود إلى متاحف ومؤسسات فنية ومقتنين أفراد من الأردن والدول العربية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسويد.[7]
لمبز انطباعيًا
عرف لمبز خلال السنوات القليلة الماضية بأعماله الحروفية، والتي عرضت في أكثر من معرض شخصي وجماعي، وتميزت بأسلوبه الفريد في تنفيذ خطوط لوحاته. لكن تجربة الفنان لمبز الأطول فنيًا تمثلت في أعماله الإنطباعية، التي وثقت مشاهد من حياة الأردن الريفية ومواقعه الأثرية. وربما كان فاروق لمبز الفنان التشكيلي الوحيد الذي كرس نفسه كفنان انطباعي، ولعدة عقود. وقد جسد أسلوبه الخاص في رسم الطبيعة عن طريق الفرشاة والسكين معًا، كما لم يفعل فنان آخر، وكأنه أخذ على عاتقه توثيق المشهد الأردني بأسلوب واقعي-انطباعي ظل وفيًا له حتى أواسط تسعينيات القرن الماضي.
اتسمت أعمال الفنان لمبز ذات المشهد الطبيعي بنزعة غنائية، نظرًا لطبيعتها المبهجة والرومانسية، فهي بالأحرى أعمالًا واقعية الموضوع انطباعية الأسلوب رومانسية الروح والإحساس.