الهلال نيوز/ وضعت واشنطن نفسها في موقف سخرية، وهي تلوّح بقضية الصحفي جمال خاشقجي كورقة ضغط على المملكة العربية السعودية، للتدخل في سيادتها، وتغيير سياستها لتخدم المصالح الأمريكية، في وقت تغيّرت فيه طبيعة العلاقات الدولية، ومعادلة منطقة الشرق الأوسط، وصارت أقوى على مواجهة المطالب الأمريكية، علاوةً على أنّ واشنطن فقدت مكانتها بأنّها القطب الأوحد منذ عام 2010.
تساوم واشنطن المملكة بقضية خاشقجي تحديداً لتدفعها نحو استيعاب الإخوان المسلمين، خاصة أنّ خاشقجي كان أحد رموز الدعوة لاستيعاب الإخوان في الحكم
وخلقت تلك التحوّلات واقعاً عربياً جديداً، واجهت فيه الدول الوطنية صراعاً شديداً مع جماعة الإخوان المسلمين، التي دعمتها واشنطن بقوة، كآخر ورقة لإعادة تشكيل المنطقة، بعد إخفاق سياسات واشنطن للهيمنة على المنطقة في زمن الحرب الباردة، ومن بعدها سياسة التدخل العسكري، منذ حرب الخليج الأولى.
واقع إقليمي مُغاير
تعدّ المملكة أقوى حليف إستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، بعد إسرائيل، وتتعدى أهميتها لواشنطن مكانة إسرائيل، التي تربطها بها علاقة عضوية؛ إذ تشارك المملكة في جغرافيا أوسع، ولها ثقل إستراتيجي وديني كبير في منطقة العالم الإسلامي وآسيا وأفريقيا، وخدمت هذه العلاقة واشنطن في التصدي للتوسع الروسي في آسيا، دون أن يعني ذلك حصر دور المملكة في فلك واشنطن، فقد كانت مصالح مشتركة.
لكن في حين بدأت الولايات المتحدة تفقد الكثير من مكانتها في العالم، بالصعود الاقتصادي والدولي للصين، وعودة روسيا كطرف فاعل في كثير من الملفات الدولية، كانت المملكة والمنطقة العربية تخطوان نحو واقع مغاير، منذ أحداث 2010 حتى اليوم، الذي شهد هزيمة الإسلام السياسي بشكل كبير، ومحاصرة خطر تركيا، ومن قبل التغيير الكبير في السلطة في المملكة، ودخولها حرب اليمن، وتصديها بشكل إقليمي للخطر الإيراني، منذ توقيع واشنطن الاتفاق النووي في 2015، دون مراعاة لأمن حلفائها الإقليميين.
اقرأ أيضاً: تقرير خاشقجي يكشف ازدواجية أمريكا وتعاونها مع الإخوان.. كيف؟
وساعدت السنوات الأربع السابقة في عهد ترامب على دفع المنطقة نحو هذه التحوّلات، بدعم قوى الدولة الوطنية ضدّ خطر الإسلام السياسي، والخطر الإيراني، في تناقض تامّ مع عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، واليوم بتنصيب أحد فريق أوباما، الرئيس جو بايدن، وعودة الديمقراطيين للحكم، تعود واشنطن لسياسة أوباما وفريقه في دعم الإسلام السياسي، ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية، دون إدراك أنّ معادلة السلطة العربية تغيرت كثيراً عن وقت أوباما.
خاشقجي والإخوان
وتستغل إدارة بايدن قضية الصحفي الراحل جمال خاشقجي للضغط على القيادة السعودية، لتدعم رؤية الإدارة الديمقراطية، في تسليم المنطقة إلى الإخوان المسلمين، والتسليم بإدارة واشنطن للأزمة الإيرانية، دون مشاركة المملكة.
اقرأ أيضاً: صواريخ إيران وقميص خاشقجي
ومن جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشؤون العربية، زيد الأيوبي: إنّ "تقرير وكالة "سي آي إيه" بشأن جريمة الصحفي جمال خاشقجي، والذي أعلنته إدارة بايدن قبل أيام، كان أول سقطة سياسية مريعة للرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، خصوصاً في ظلّ الضعف والركاكة التي تضمّنها هذا التقرير، المبني على كلّ أدوات الشكّ والظنّ، لغاية الإساءة لمكانة المملكة العربية السعودية، وولي عهدها سمو الأمير محمد بن سلمان".
ويردف الأيوبي بأنّ "التقرير واجه سيلاً كبيراً من الانتقادات التي وصلت حدّ السخرية أحياناً، وكان الهدف منه بشكل واضح هو ابتزاز السعودية وقيادتها بشكل واضح وصريح، بهدف تغيير السعودية لسياساتها ضدّ ميليشيات الإخوان المسلمين المتحالفة مع الحزب الديمقراطي الأمريكي، الذي ينتمي إليه الرئيس بايدن، إضافة لمحاولة ابتزاز المملكة للحصول على مواقف مرنة سعودياً، تجاه الوجود الايراني في الوطن العربي، على طريق إنقاذ إيران من ورطتها الاقليمية والدولية والاقتصادية".
المحلّل السياسيّ زيد الأيوبي، لـ "حفريات": إدارة بايدن اكتشفت أنّها لا تستطيع المسّ بعلاقة الولايات المتحدة مع السعودية، فهي علاقة تاريخية وإستراتيجية
ويؤكّد على ذلك، أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي التي تقف وراء دعم قضية خاشقجي، وتستغلّها في التأثير على صنّاع القرار في الولايات المتحدة، لتأمين الدعم لها في الدول العربية، التي ما يزال الإسلام السياسي مشاركاً في حكمها.
وكان خاشقجي من أشدّ الداعمين للإسلام السياسي، خاصة الإخوان المسلمين، وتمتع بعلاقة قوية بتركيا؛ لذلك كان أشدّ المعارضين لتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، ودخول المملكة حرب اليمن، وسياستها المناهضة للإخوان وداعميهم في الداخل والخارج.
وتساوم واشنطن المملكة بقضية خاشقجي تحديداً لتدفعها نحو استيعاب الإخوان المسلمين، خاصة أنّ خاشقجي كان أحد رموز الدعوة لاستيعاب الإخوان في الحكم.
المملكة تستوعب واشنطن
وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها المملكة ضغوطاً أمريكية وتتصدى لها؛ ففي عام 2013 ساندت المملكة بقوة الثورة الشعبية التي أطاحت الإخوان المسلمين في مصر، رغم معارضة واشنطن.
وهذه المرة لم تتراجع المملكة أمام الضغوط الأمريكية، بل أعلنت بثبات موقفها، ورفضها للابتزاز الأمريكي، مستندة على تغيّر الواقع الدولي، ووجود قوى دولية تتطلع لتعويض غياب الدور الأمريكي، بما يتماشى مع سياسة المملكة.
ويشير الأيوبي إلى أنّ "إدارة بايدن اكتشفت أنّها لا تستطيع المسّ بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع السعودية؛ فهي علاقة تاريخية وإستراتيجية، والتصادم مع السعودية سيكون له أثر سلبي كبير على سياسات واشنطن وأهدافها الإستراتيجية، لا سيما أنّ كلّ القوى الدولية الفاعلة تبحث عن بناء شراكات وعلاقات إستراتيجية مع السعودية، ولن يكون ذلك في صالح واشنطن".
اقرأ أيضاً: العلاقات السعودية-الأمريكية.. أكبر من قضية خاشقجي
ويردف الأيوبي؛ بأنّ الإدارة الأمريكية استدركت موقفها على لسان وزيري الخارجية والدفاع؛ بأنّ "علاقة أمريكا مع السعودية هي علاقة إستراتيجية، وهو بحدّ ذاته إعلان صريح عن فشل سياسة الابتزاز الأمريكي للسعودية، بالاستناد لمسرحية خاشقجي، التي كان التقرير الأمريكي الأخير بمضامينه الضعيفة آخر فصولها".
ويستطرد الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشؤون العربية، زيد الأيوبي: "المملكة العربية السعودية حاكمت قتلة الصحفي خاشقجي، في محاكمة عادلة ونزيهة، بحضور ممثلين عن الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وممثلين عن مؤسسات حقوق الإنسان، وعائلة خاشقجي، وحكمت المحكمة على بعض المتهمين بالإعدام، وهو إجراء زجري يكفل عدم تكرار جريمة خاشقجي في المستقبل، بالتالي، السعودية، كدولة، قامت بواجبها تجاه الصحفي خاشقجي باعتباره أحد مواطنيها، ومحاولة أيّة جهة، إقليمية أو دولية، تسييس هذه القضية لن يجدي نفعاً".
اقرأ أيضاً: تقرير خاشقجي: جريمة ابتزاز!
وكانت واشنطن قد رفعت السرية عن تقرير وكالة المخابرات المركزية حول مقتل خاشقجي، في شباط (فبراير) الماضي، وطالبت المملكة بتعديل سياستها في مجال حقوق الإنسان، وحلّ وحدة التدخل السريع التابعة للحرس الملكي.
وفرضت واشنطن عقوبات على 76 مسؤولاً سعودياً، بموجب سياسة "حظر خاشقجي"، التي تمنح وزارة الخارجية أدوات عقابية تفرضها على من تراهم يهددون المعارضة السياسية في دولهم أو خارج دولهم.
ويسمح "حظر خاشقجي" للخارجية الأمريكية بـ "فرض قيود على تأشيرات الأفراد الذين، نيابة عن حكومة أجنبية، يُعتقد أنّهم شاركوا بشكل مباشر في أنشطة مناهضة للمعارضين جادة وتتجاوز الحدود الإقليمية، بما في ذلك تلك التي تقمع أو تضايق أو تراقب أو تهدّد أو تضرّ بالصحفيين أو النشطاء، أو غيرهم من الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنّهم معارضون لقيامهم بعملهم".
اقرأ أيضاً: واشنطن تستغلّ خاشقجي لإحياء "الإخوان" في المملكة
واندلعت أزمة الصحفي جمال خاشقجي، عام 2018، على خلفية جريمة قتله في قنصلية المملكة في إسطنبول، وجرى استغلال القضية بشكل واسع، من تركيا والإخوان المسلمين والولايات المتحدة ودول أوروبية، رغم محاكمة المملكة للمتهمين في القضية.